لاحظت كما لاحظ غيري بالطبع، تعصب العسكريين بعضهم لبعض، يدافعون عن بعضهم البعض ويبرئون بعضهم البعض ولو بالباطل، ما إن يستضاف أحدهم في فضائية أو اذاعة أو صحيفة ويسأل عن رأيه في الانتهاكات الجسيمة المفضية الى القتل التي تلغ فيها القوات الموكل اليها فض مواكب الثوار السلمية، إلا وينبري لتبرئة هذه القوات والدفاع عنها وايجاد المبررات لها، يفعل ذلك حتى العسكريين بالمعاش، رغم وضوح هذه الانتهاكات الفظيعة وسقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، مما لا يترك مجالا لانكارها أو الالتفاف على حقائقها الناصعة الموثقة إلا مكابرة، وظل العسكريون وما انفكوا يكابرون حين يواجهون بهذا السؤال المحرج لهم، فيعمدون الى (اللولوة والدغمسة) ومحاولة دمغ الثوار السلميين بالعنف والتخريب، في مسعى خائب ومفضوح لتبرئة قتل المتظاهرين وسحلهم، ولكن حتى في هذا التبرير الفطير كانوا يكذبون ويلونون الحقائق بل يلوون أعناقها، فهؤلاء الثوار ليسوا حركات مسلحة مدججة بالسلاح، وانما هم مدنيون عزل ليس في أيديهم سوى شعارات قماشية أو ورقية، وليس لهم سلاح سوى حناجرهم التي يهتفون بها، مما يدحض أية حجة سخيفة تحاول عبثا تبرير ضربهم بالرصاص الحي، وأين في مناطق قاتلة في الصدر والعنق وليس الأقدام، مما يكشف نية القتل المبيتة مسبقا، وليس فقط فض (الشغب والتخريب) كما يدعون زورا وبهتانا..
إن تعصب العسكريين لتبرئة أفرادهم، تبقى ظاهرة خطيرة جدا، ذلك لأن من يستضافون في القنوات وغيرها من وسائل الاعلام الاخرى، قيادات أمنية برتب كبيرة سواء كان المستضافون مازالوا في الخدمة أو كانوا معاشيين، وبالتالي سيكون حديثهم وتبريرهم لعمليات العنف والقتل التي تقع من القوات الأمنية واضفاء صبغة قانونية لها، بمثابة شارة خضراء وتشجيع يدفعهم للاستمرار في ممارسة العنف المفرط والمميت، بدلا من أن يعترفوا ويقروا بهذه الانتهاكات الفظيعة ويلجموا جنودهم من ارتكابها ومحاسبة المخالفين منهم، ولما لم يفعلوا ذلك فإن هؤلاء القادة الامنيون يثبتون بالدليل أنهم راضين عن ما يفعله جنودهم ومباركين له، هذا اذا لم تكن انتهاكات هؤلاء الجنود مجرد تفلتات من بعضهم ولم تتم بأوامر عليا تصدر منهم، والراجح بواقع الحال أن هذه الانتهاكات تتم بأوامر من القيادات، وهو ما يضع هؤلاء العسكرين تحت طائلة التعصب والتطرف المذموم، يدافعون عن منسوبيهم ويحمونهم بالباطل،
على طريقة الشاعر دريد ابن الصمة صاحب البيت الشهير (وما أنا الا من غزية ان غوت غويت وان ترشد غزية أرشد)، وهذه والله عصبية عسكرية منتنة لا تقل خطرا من العصبية الاثنية التي انهكت حرث البلاد ونسلها، وكما يتوجب محاربة العصبية الاثنية ، يتوجب كذلك محاربة العصبية العسكرية، وقد فعل هؤلاء العسكريون ما يفعله المتعصبون للقبيلة، بدفاعهم عن انتهاكات جنودهم، وهذه عصبية مقيتة لاعلاقة لها بالغيرة المهنية، فالغيرة المهنية مطلوبة ومرغوبة لجهة أنها تجعل الشخص يحب عمله ويتفانى فيه ويدافع عنه بالحق وليس بالباطل ويسعي إلي تطويره وتنقيته من الشوائب، لا أن يكون من آل غزية كما قال الشاعر معهم في كل الأحوال حتى ان غووا، والمهنة العسكرية مثلها مثل المهن الأخرى ليس من المستبعد بل المؤكد وجود بعض عديمى الاخلاق والمتجاوزين بين ظهراني ممتهنيها، فالمهنة ليست أكثر من انتماء وظيفى، يسعى من خلاله أعضاء المهنة لضمان تطورها، وحسن ممارستها،
أما أن تتحول المهنة إلى انتماء مغلق أصم، يمثل فى ذاته فى بعض الأحيان ما يشبه التضامن المظلم الظالم الذى تحدث عنه عالم الاجتماع الشهير روبرت بوتنام فتلك مصيبة..فالتعصب المهنى الأعمى، الذى يجعلنا نأبى مجرد قبول فكرة أن لكل شخص مثالب، قد تؤثر بشكل أو بآخر على مهنته، مهما علا أو قل شأنه، وكما أن هناك أشخاصا يستحقون نوط الجدارة والشرف، فقطعا هناك من يستحقون الازدراء والقَرَف..فليحدد هؤلاء (المحللون) العسكريون في أي فئة هم..