بعد خروجي من المعتقل العام الماضي، زارني كثير من الشخصيات من أطياف المجتمع السوداني، ومن السلك الدبلوماسي أيضاً، ودار نقاش طويل معهم.. كان أكثرها دهشة ما كان حول توقعات يوم السبت 6 أبريل 2019.
كنت أكرر أمام الضيوف أنَّ النظام طُويت صفحته، ولم يبقَ إلا توقيع الشعب السوداني على قرار الرحيل.. لكن لدهشتي كانت توقعات ضيوفي من السلك الدبلوماسي مختلفة تماماً.. واحد منهم قال لي ناصحاً.. (أرجوك لا ترفع توقعات الشعب فيصاب بالإحباط عندما يرى مظاهرات لا تختلف كثيراً عن التي رآها خلال الأشهر الماضية)..
قلت له (لكن 6 أبريل يوم مختلف.. سيخرج الشعب السوداني كله هبة واحدة..)
رد علي بنفس الروح المتشككة (نعم ربما مظاهرة أكبر قليلاً.. لكنها مجرد مظاهرة جديدة).
وجاء صباح 6 أبريل 2019، ذهبت في الطريق إلى القيادة العامة كانت الجماهير تحاول فتح ثغرة إلى المنطقة الحمراء.. استدرتُ وعدتُ من ناحية كبري القوات المسلحة.. كان المشهد مهيباً.. من حيث لا يحتسب أحد انهمر سيل عرم عبر كبري القوات المسلحة، وهم يهرولون نحو السور الشمالي الشرقي للقيادة العامة، كانت مجموعة من الجيش تقف هناك ولكن لم يحدث اشتباك.. فالجماهير كانت مندفعة ومتحمسة بصورة تهز مشاعر كل سوداني غيور.
عندما عدتُ إلى شارع المطار كان الأمر محسوماً تماماً، سيول هادرة التفت حول القيادة العامة من كل جانب، بل وفي لحظة حماسة دفاقة اخترقت مجموعات كبيرة بوابة بيت المخلوع ودخلت لعدة أمتار، قبل أن تغلق القوات التي تحرسه الطريق أمامهم.
كان الكثيرون يظنون أن 6 أبريل ستكون مجرد مظاهرة مهما بلغ حجمها تنتهي مع المساء ويعود الشعب (إلى ثكناته).. ولكن قيادة الحراك الجماهيري في قوى الحرية والتغيير استخدمت تكتيكاً غاية في الذكاء.. لم تعلن نية الاعتصام في ساحة القيادة العامة، وتركت الذين ينتظرون نهاية المظاهرة يتمسكون بحبال العشم المتوهم.. فجأة تغير الحال صدر قرار تجمع المهنيين بالاعتصام، هزَّ الهدف الذهبي شباك النظام المخلوع.. وتحول الحال تماماً..
مع إعلان الاعتصام تدفقت مزيد من الجماهير واشتعل الشارع السوداني بروح ثورية هائجة، وبدا واضحاً أنَّ التاريخ كتب السطر الأخير لنظام ديكتاتوري كتم أنفاس الشعب السوداني ثلاثين عاماً، ودمر البلاد وأكثر فيها الفساد..
عملياً انتهى النظام يوم السبت 6 أبريل 2019، لكن بكل أسف لم تنتهِ جرائمه، ظل خلال الأيام التالية، خلال فترة الاعتصام حتى صباح الخميس 11 أبريل 2019 يرتكب في كل ليلة جريمة، يهجم على الشباب الأعزل المسالم الذين يبيتون رقوداً على الأرض ويلتحفون السماء، ويحاول قتلهم رمياً بالرصاص فيلجأون إلى عرين الأسد، جيشهم البطل فيحميهم ويصد عنهم المعتدين.
بدأت قصة 6 أبريل منذ العام 1985.. ولم تنتهِ حتى الآن..