لولا أن خبر اتجاه الحكومة لانفاق مبلغ 520 مليار جنيه، لشراء سيارات جديدة للوزراء منسوب للغراء صحيفة (الديمقراطي) التي أعلم استقامة وحرفية القائمين على أمرها وفوق ذلك دعمهم للثورة ومساندتهم للفترة الانتقالية، لاعتبرته فبركة مقصودة للنيل من الحكومة على شاكلة (تسيير المثليين لتظاهرة صاخبة للمطالبة بحقوقهم)، ولأنني أيضاً لم أقف على نفي أو تصحيح رسمي للخبر، لم أجد بداً من التعليق على هذا الخبر الصادم، فالخبر يقول أن مجلس الوزراء وجه وزارة المالية عبر خطاب عنونه لوكيل أول وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، بتكملة الاجراءات المالية وقبول العرض المقدم لشراء عدد(23) سيارة للوزراء، وتقدر قيمة هذه السيارات بنحو (520) مليار جنيه..فهل تراني مخطئا ومتجنيا اذا وصفت هذا الاجراء الذي يكلف 520 مليار بالافتراء، ونعت من يحصلون على هذه السيارات بالمفترين..
أليس بربكم بحكم هذا التصرف استحقت الحكومة حقاً وصدقاً صفات الافتراء والبطر، وأنها تدلل وزراءها كما أبناء الأمراء والملوك والأباطرة، فمن يمارس مثل هذا السفه والبذخ والبذار في ظل المعاناة الساحقة والماحقة التي يرزح تحتها سواد الشعب، أقل ما يمكن أن يقال في حقه إنه متفرعن ومتبطر ومفترٍ، لا تهمه إلا نفسه، وما أشبه هذا الحال بما كان عليه في العهد البائد، فالشاهد فى موضوع العربات الحكومية انها ما زالت على حالها القديم إبان عهد الفساد، وما انفكت تعاني من حالة سيولة فارطة، حيث كان التهافت فيما مضى على شراء العربات على اشده بلا ضابط أو رابط أو كابح أو مرجعية، اذ لم تكن هناك جهة واحدة تتولى مهمة شراء ما تحتاجه الحكومة فعليا من عربات وتشرف على صيانتها ويمكن إستقاء المعلومات الصحيحة والدقيقة عنها، فكانت وما تزال للأسف الحكومة بحسب خبر (الديمقراطي) كما حكومة المخلوع ترتاد الكرين ومعارض السيارات لوحدها، أو تلجأ لوكلاء السيارات بطريقتها وكلما شاءت ووقتما ارادت، وبهذا سينفرط عقد السيارات الحكومية، ويبقى من الممكن أن يحوز بعض المحظيين مثنى منها وثلاث وربما رباع، واحدة له واخرى لتلبية خدمات المنزل وثالثة لقضاء مشاوير الزوجة أو الزوجات والأولاد، وازاء هذا الانفراط والتفريط المتوقع والتفلت الذي يكشف عن خلل واضح في النظم الإدارية والمحاسبية الخاصة بالعربات الحكومية، يستدعي ان تكون لها جهة مرجعية تشرف عليها، تحدد صلاحيتها وتختار موديلها وتشرف على شرائها وتحتفظ بسجلاتها، لا أن يترك ذلك لأمزجة ورغبات كبار المسؤولين، وكانت مصلحة النقل الميكانيكي فيما مضى هي المسؤولة عن كل السيارات و مواعين النقل التي ترد للسودان سواء على مستوى الدولة وعلى المستوى الخاص، وتسبب اعدام هذه المصلحة في اهدار مليارات الدولارات التي انفقت في استيراد سيارات ومواعين نقل تفتقد كل المواصفات وادخلت للبلاد كميات مهولة من (الخرد)، بينما كانت مصلحة النقل الميكانيكي هي المسؤولة عن كل السيارات المملوكة للدولة وهى التي تتحكم في استخدامها واحكام الرقابة عليها وهي التي تتولى صيانتها وتوفير قطع الغيار لها، هذا اضافة الى انها كانت هي الجهة الفنية المختصة التي تحدد أهلية أي سيارة أو ماعون نقل يدخل السودان حتى تضمن توافقها مع بيئة البلاد ومصلحتها العليا وتأمين استغلال افضل لعملاتها الأجنبية المحدودة. فلماذا والحال هذا لا تعاد مصلحة النقل الميكانيكي..