(1) مابدأه الثوار الشهداء أو الثوار الجرحى أو الثوار المفقودين، مابدأوه من مسيرة نضالية قدموا فيها أرواحهم ودمائهم قربانا وفداءً لثورة ديسمبر المباركة، وقدموه من أجل إقامة دولة المواطنة ودولة الديمقراطية والسلطة المدنية، لن تظل هذه التضحيات العظام معلقة هكذا في الهواء، فهم من رصفوا الشارع الثوري بأجسامهم الطاهرة ، وسقوا شجرة الحرية والسلام والعدالة بدمائهم الذكية، واعلنوها داوية اذا الشعب يوماً أراد الحياه فلا بد للقيد أن ينكسر، وفي عزم لا يلين وقوة لا تقهر، وصبر كالجبال الراسيات ونيات صادقات، استطاعوا اسقاط الصنم هبل البشير، ونظامه البغيض، فان الثلاثين من يونيو 1989، يجب أن لا تكون أعوامه أعواماً للنسيان، ولكن يجب أن تكون أعوامه، أعواماً نستخلص منها الدروس، ونأخذ منها العظات والعبر، حتى لا نلدغ من جحر الكجر أو العسكر مرة أخرى.
(2) واذا كانت للعرب أيام تعتبر من أشأم أيامها او عهود من أسوأ عهودها وحكام وطغاة، من أكبر السفاحين والقتلة والمستبدين، فان ثورة الثلاثين من يونيو 1989، والتي دبرت تفاصيلها الحركة الإسلاموية، فهذه الثورة المشئومة يمكن اضافتها الى أشأم أيام الإنسانية، وتحديداً الإنسان السوداني، الذي ذاق منها كل ألوان البطش واشكال القهر وصنوف العذاب، وحرمانه من أن تكون دولته دولة طبيعية مثلها مثل سائر الدول، وذلك بفضل قادة ثورة الإنقاذ الوطني من عسكريين ومدنيين، ولما بلغ القهر والمعاناة والضجر بالمواطن لما بلغ الزبى، كانت ثورة ديسمبر المباركة، وكانت ساعة النصر، وكانت ثورة ديسمبر.
(3) وما جرى من بعد ذلك من أحداث، وماظهر من بعد ذلك من شخصيات تريد أن تختطف الثورة، يعلم القاضي والداني أنه هذه الشخصيات تريد إعادة إنتاج النظام البائد، الذي لفظه الشعب، ولكن ذلك زمن تولى فلن يعود.
(4) الخلاصة
يبدو لي أن البعض ذهب أبعد من الثريا، حين جعلوا بقاء الوطن مرادفا لبقاء المكون العسكري، ولا بد من اشراكه في كل عملية سياسية، ويذهب بعض آخر حين يعتقد أن ذهاب قائد الانقلاب الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، يعني عندهم ذهاب الوطن وتفتته، وامثال هؤلاء يعلمون ثم يتجاهلون أن البرهان لاشئ عنده بعزيز الا كرسي السلطة، لذلك سيخرج الشارع الثوري، بكل لجان مقاومته وكل اشكال طيفه المدني وألوانه السياسية، رافعين شعار دولة ديمقراطية وسلطة مدنية كاملة، ونصف ديمقراطية، ونصف مدنية لا يرضى بها إلا المتردية والنطيحة والموقوذة من أصحاب اعتصام الموز، ومن لف لفهم، من داعمي الانقلابيين، فما بدأه الثوار، الذين لا قبيلة لهم، ولكنهم كلهم أخوة في الهدف والدم، فما بدأه الثوار الشهداء لن يظل معلقاً في الهواء، والثوار القادمون من الخلف سيكملون المسيرة، ولسه مكملين، وان طالت سنين النضال، ومن أوجب واجبات المواطن الثوري، ان تخرج مع جحافل الخارجين في الثلاثين من يونيو، فان لم تستطع فمن المستحب ان تدعو لهم بالنصر، وتبت يد أعداء الثورة ومن ساعدهم.