لا تنحصر زيارة قائد الدعم السريع نائب رئيس المجلس الانقلابي الفريق محمد حمدان دقلو إلى روسيا في تفسيرها الطبيعي أن حميدتي سيلتقي كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية سيرغي لافروف لمناقشة بعض الملفات وعلى رأسها إحياء العرض السوداني للفيالق الروسية بإقامة قاعدة بحرية في ساحل البحر الأحمر، وتدريب وتأهيل قوات الدعم السريع.
ومعلوم للقارئ أن روسيا دعمت إجراءات الانقلاب التي اتخذها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان ، واعتبرت روسيا أن ما جرى في السودان قد يكون انتقالاً للسلطة وليس انقلاباً عسكرياً متهمة الرافضين لسيطرة الجيش على السلطة في الخرطوم بـإرتكاب أعمال عنف.
وكان موقف روسيا من الأحداث الاخيرة في السودان مختلفاً عن باقي دول العالم، منذ اللحظة الأولى لقرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، فلم يتوقف دعم موسكو للجيش برفضها لتسمية ماحدث بأنه انقلاب بل قدمت دعماً مفتوحاً للعسكر .
ولأن الانقلاب حقق ( زيرو نجاح ) وباءت كل الاجراءات فيه بالفشل في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية وادخل البلاد في ضائقة مالية وصلت حد الإقرار بها من قبل المناصرين للانقلاب وعلى رأسهم وزير المالية دكتور جبريل ابراهيم، بدأ قادة الانقلاب في عمليات السعي والطواف على الدول للبحث عن ملاذ آمن يضمن لهم الدعم لمواجهة الظروف الاقتصادية ويسهل عليهم وطأة هم المستقبل المظلم الذي يواجههم ، ويزيل عنهم ثقل الصعوبات الشاقة التي تعترض طريقهم ، فمثل ما سعى البرهان للتحالف مع اسرائيل يسعى دقلو للتحالف مع روسيا فكلاهما يستجير من النار بالنار
لكن ومثلما يحتاج قادة الانقلاب الى روسيا كطوق نجاة تأتي الزيارة او الدعوة لدقلو بالتزامن مع تصاعُد توترات عسكرية على الحدود الروسية الأوكرانية، بعد اعتراف موسكو باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، اللتين تخضعان لسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا، وسط رفض دولي واسع ، وهذا يكشف ايضا حاجة روسيا للسودان او لقادته الذين يواجهون مصيرا سيئا ، وتأتي دعوتها لحميدتي في ظل هذه الظروف التي كان يجب ان تكون فيها روسيا لا شاغل لها اليوم سوى القضية الأوكرانية التي تجلب لها العداء مع الغرب والذي اصبحت الحرب فيها اقرب من كل الخيارات الاخرى.
ليأتي السؤال هل روسيا تسعى لبناء علاقة خاصة مع الفريق محمد حمدان دقلو كقائد للدعم السريع ، بعيدا عن المؤسسة العسكرية السودانية ، فروسيا ان كانت تسعى لتعاون مشترك بينها والسودان كان الأحرى بها ان توجه الدعوة للقيادة العسكرية ، فالتعامل والتعاون مع المؤسسة العسكرية افضل بكثير من قوات الدعم السريع ، الا ان يكون لروسيا رأي وهدف آخر .
فروسيا بجانب اطماعها العسكرية وانشاء قواعد بحرية بالسودان ، لديها مآرب اقتصادية اخرى ، ورغبة أكيدة كغيرها من الدول الاخرى، ونهم لموارد السودان من معادن وذهب، ووجدت ان ال دقلو اكثر سيطرة على الاقتصاد السوداني من قادة الجيش ، لذلك فضلت التعامل مع دولة حميدتي مباشرة .
فروسيا ليس جديد عليها الاستعانة بالمليشيات بعيدا عن مظلة المؤسسة العسكرية وسبق ان استعانت بعدد من المليشيات في سوريا ، والاهم من ذلك ان علاقة روسيا مع اشهر المليشيات السورية بدأت بعرض روسي عبارة عن تدريب قواتها على أنواع متعددة من الأسلحة الروسية ، وعرفت اشهر المليشيات السورية انها كانت تمتلك اسلحة روسية كبيرة برعت في التعامل معها واستخدامها بمهارة عالية .
والآن تبدأ العلاقة بين روسيا والدعم السريع بعرض التدريب ذاته فقوات الدعم السريع هي قوات لا تحتكم لضوابط وقوانين ومبادئ المؤسسة العسكرية ، بالتالي ان قيامها علاقات عسكرية او اقتصادية مع دول اخرى لايخضع لأي رقابة من المؤسسة العسكرية ، ولن يستطيع قائد الجيش ان يمنع قوات الدعم السريع ان ارادت ذلك ، ولهذا السبب يرفض حميدتي خيار الدمج فما يريده حميدتي هو ان يكون قرار قواته في يده فقط ولا يخضع الا لقوانينه ، فهو الذي يحدد نوع العلاقة بينه وبين روسيا ان كانت تتعلق بالجوانب العسكرية او الاقتصادية ، سيما ان المصادر اكدت ان زيارة حميدتي لروسيا تأتي برعاية بعض الدول العربية واشرافها ، الدول التي لها علاقات اقتصادية بدقلو ، فهل تستغل روسيا ضعف وهوان الانقلاب ، وحاجته الماسة لمساعدتها له فتشترط تقديم اطواق النجاة بتحقيق كل مطالبها من انشاء قواعد بحرية واستغلال قوات الدعم السريع لتحقيق مطامعها !!
فسقف المصالح لن يكون له حدود اذا شعرت الدول العظمى بأن الطرف الثاني في موقف ضعف ولا خيار له الا دعمها ، فسرعان ما تضع شروطها على الطاولة قبل ان تقدم له شيئا لذلك ليس بالبعيد ان يكون حجم التنازل من قبل الوفد السوداني ( الكسيح ) كبير للغاية ، وربما لايكون ثمة خاسر الا الوطن فمن الذي يؤتمن على هذه البلاد ان كان على رأس الوفد دقلو وجبريل، فكل واحد منهما خبير في ( البيع ) واستاذ ورئيس قسم في اللاوطنية ولايهمه الا مصلحة نفسه.
لذلك ان هذه الزيارة ستكون اكبر ( الكفاوي والبلاوي ) التي ستقع على رأس البلاد وعلى الشعب السوداني ، فمحمد حمدان دقلو ليس رجلا قوميا وطنيا غيورا على بلاده ، حميدتي لايبحث إلا لإتساع رقعة نفوذه وسلطته ، وروسيا ستجد ضالتها فيه لان عشقها الاول والأبدى هو انشاء صداقات قوية مع قيادات الدول التي تتخصص في ذل وهوان وقتل شعوبها ، وهوايتها المفضلة هي دعم الانظمة الدكتاتورية المستبدة ، ولكن مثلما ارادة الشعب حالت بينها وبين دعم البشير ستحول بلا شك بينها وبين اطماعها في البلاد ، فقادة الانقلاب يشابهون البشير في الاستغاثة ، ومن شابه البشير فقد ظلم ، فلن تفيد ( قشة روسيا ) للذي تتسارع انفاسه الآن وهو يقاوم الغرق !!
طيف أخير :
سيشهد التاريخ أن اسوأ الذي يحدث لن يحدث الإ في عهدهم.