صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

وجدتها ,, وجدتها

24

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

وجدتها ,, وجدتها

)1 (

والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً، قول الشاعر هذا يعني أن الجمال ليس شيئاً موضوعياً فقط إنما ذاتياً أيضاً بمعنى أنه يتوقف على المشاهد فإن كانت نفسه ممتلئة بالجمال فسوف تكون له القدرة على إدراك الجمال أما إن كانت دواخله كلها كدر فلن يكون فيها موضع للإحساس بشيءٍ جميل. إن قول الشاعر هذا يحتمل العكس كذلك بمعنى إن لم يكن في الوجود شيء جميل سوف تكون النفوس بغير جمال بمعنى أن الظرف الموضوعي عندما يكون قاسياً سوف ينعكس ذلك على النفس فتصبح كئيبة ومحبطة ولعل هذا هو حالنا نحن الذين نسود صفحات الصحف كل يوم، فالأزمات المتلاحقة ومتابعتنا لها جعلتنا )ناس نبيشة( فقط لأنه ليس في مقدورنا تجميل ما هو قبيح، فالإعلام لا يصنع الحدث إنما يتبعه وقد يؤثر على تطوره ولكنه لن يغيره، وبهذا تصبح هذه المهنة في سودان اليوم ضريبتها كبيرة وهي )شفط( الجمال من الدواخل. حتى لا يحيق بنا المصير أعلاه سيكون حرياً بنا أن نبحث عن الأشياء الجميلة بحثاً حتى ولو كانت إبرة في كومة دفيس أو قطة سوداء في غرفة مظلمة في ليلة مظلمة ليس لتقديمها للقارئ فقط إنما لينعكس جمالها على أنفسنا أولاً وتمنحها جمالاً لكي نرى جمال الوجود وننعم به مثل بقية خلق الله ونتخلص مما يسميه علماء النفس تشوهات المهنة )جوب ديستورشن( وإذا وجدنا هذا الشيء الجميل مهماً كان ضئيلاً يحق لنا أن نصرخ مثل أرخميدس )وجدتها وجدتها(.

)2 (

مناسبة هذه الرمية الطويلة هي أننا تعثرنا في الأسبوع المنصرم على شيء جميل يفتح النفس )أربع ضلف( وهو بداية الإنتاج في مصنع العربية للأدوية البشرية والبيطرية. هذا المصنع الذي كلف إنشاؤه )47 مليون يورو( بتمويل أساسي من الجامعة العربية ثم شركة عراقية أما المكون المحلي فقد كان من ولاية جنوب دارفور )ياربي دي قصتها كيف؟( وسيعمل المصنع بستين في المية من طاقته وعلى حسب الأخبار أنه سوف ينتج أربعين صنفاً من الأدوية عبارة عن محقونات وشرابات ومساحيق وكبسولات وأقراص يأتي افتتاح هذا المصنع في وقت تشهد فيه بلادنا أزمة خانقة في الأدوية فأسعارها فاقت الدولار في تصاعدها. الصراع بين القائمين عليها وصل مرحلة كسر العظم. الحكومة تتخبط في معالجتها والمرضى يدفعون الثمن . هذا فيما يتعلق بالبشر أما حيواننا فهو الآخر مثلنا يحتاج للعلاج الحديث لأنه أصبح من أهم المخارج التي يعول عليها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تطحننا طحناً. والذي لا يقل أهمية عن كل هذا أن هذا المصنع بدأ العمل في وقت كل مصانعنا يلفها الظلام وفي مجال التصنيع الدوائي معظم مصانعنا متوقفة فبعد أن كنا ننتج أكثر من سبعين في المائة من حاجتنا الدوائية تراجعنا إلى ما دون الثلاثين في المائة )تقدم للخلف غير مسبوق( أما الصناعات الأخرى فيكفي أن نذكر مصنع سكر النيل الأبيض الذي بلغ مليار دولار فوق تكلفته المدروسة )أها تقولي شنو وتقولي منو ؟( فمرحباً بمصنع العربية للأدوية، وكل الذي نتمناه أن يكون مصيره مختلفاً عن الاستثمارات الصناعية العربية في سبعينيات القرن الماضي كعلف القندول وجلكوز الباقير والبان السليت وهذه قصة أخرى فالمقام اليوم مقام إشادة وليس مقام نبيشة.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد