(1)
كان يمكن أن نقول إن ما يجري الآن (مسرحية)، تبعاً للمسرحيات التي ظللنا نشاهدها في العقود السابقة منذ (اذهب للقصر رئيساً) وحتى (الوقوف على مسافة واحدة من الجميع) ، لولا (خلع) البشير و(استقالة) عوض بن عوف و(إقالة) صلاح قوش وكمال عبدالمعروف، فهؤلاء الشخوص لا يقبلون إلا أن يكونوا في (الصف الاول)، حتى وإن كانوا على (خشبة المسرح)… فقد اعتادوا على ان يلعبوا دور (البطولة) في كل المسرحيات السابقة وان لم يملكوا مقومات ذلك… لهذا لا اظنهم يقبلون بدور (ثانوي) لا يتوافق مع خلايا (الأنا) المتضخمة عندهم.
اللهم إلا اذا كانت هناك طفرة في الدراما السودانية لتبدأ الاحداث من (موت البطل) في اول مشهد كما حدث في مسلسل (رأفت الهجان)، وذلك بعد ان مات البطل في الحلقة الاولى ثم دارت الحلقات كلها عنه في ثلاثة اجزاء متتالية للمسلسل على طريقة (flashback).
(2)
وجب علينا ان نعتذر لهذا الجيل صاحب الـ (18) عاماً و (16) عاماً بعيداً عن الاجماع الوطني وقوى اعلان الحرية والتغيير والاحزاب السياسية المعارضة والحركات المسلحة وتلك المسميات التي لم نجد منها غير المزيد من الاحباط والسراب والمؤتمرات الصحفية المعنية فقط بتقسيم (الكعكة) وتوزيع (الغنائم).
لقد أسقط هذا الجيل الدولة العميقة، المتجذرة بالاحتجاجات السلمية التي لم تنس حتى ان تكنس (الميادين) التي تتظاهر عليها وتنظفها.
ثورة أتت بفضيلتها.
أسقطوا النظام بالاعتصامات التي اهتمت بالادب وإعادة الروح الوطنية وأرجعت لنا حتى اخلاقنا السودانية من مروءة وشهامة وكرم ونبل بعد ان فقدناها في السنوات الاخيرة.
لم يسقط النظام بحركات مسلحة او احزاب سياسية معارضة …لا دبابة ولا طلقة، لقد سقط النظام بالحسنة، رغم جور النظام وقمعه وفساده، وان كان لنا ان نعترف بدور وفضل تجمع المهنيين الذي ادار المعركة بذكاء ومهنية والتزام كبير.
وإن كنا نقول ونردد إن كان لنا شيء من تلك الشكيمة التي يملكها الجيل الجديد وذلك الفضل من الثورة فهو في قدرتنا على تحمل نظام الانقاذ بكل فساده وقمعه 30 عاماً.
يمكن ان نحسد على هذا (الصبر) الذي جعلنا نتعايش مع نظام يحمل كل ذلك السوء.
ما دون ذلك فليس للاحزاب السياسية حتى (أجر المناولة) من تلك الثورة الظافرة والمنتصرة بإذن الله وتوفيقه.
(3)
كانوا في البدء يسخرون منّا جميعاً، كيف يمكن اسقاط نظام بمظاهرة لا يتجاوز عددها الـ (90) شخصاً.
كانوا يضحكون من صنيعة (جيل) لم تتجاوز اعمارهم (18) عاماً لاسقاط نظام عمل من اجل (التمكين) و (الدولة العميقة)، نظام حول كل منسوبيه الى قوات نظامية وكتائب ظل من اجل البقاء والاستمرار.
في الايام الاولى للاحتجاجات كانوا يحاصرون (70) شخصاً بـ (100) عربة تاتشر.
هذا لا يحدث في الاراضي العربية المحتلة!!.
وكان يقول مدير جهاز الامن السابق انهم يحاصرون ميدان الاحتجاجات بـ (3) الاف عسكري.
ثم مضوا بعد ذلك بعد ان قتلوا واعتقلوا واتوا بقانون الطوارئ لايقاف الاحتجاجات وفرضوا حظر التجول للحد من المظاهرات ليقولوا ان الاحتجاجات (انحسرت)، حيث ما كان يتحدث منهم احد في اذاعة او فضائية او يصرح منهم رجل لصحيفة او موقع اسفيري إلا تحدث عن (انحسار) التظاهرات وتراجعها…هكذا كان يتحدث اعلام النظام.
ليسقط النظام تباعاً …زرافات ووحدانا، فقط لأن هذا الشعب رفع شعار (تسقط بس)، وكان سبيله لذلك (الشارع)، دون ان يفاوض او يحاور على ذلك حتى (سقطت بس) ، وشبعت (سقوط).
إني على ثقة الآن انهم لو رفعوا شعار تحرير الاراضي المحتلة واعادة القدس لفعلوا ذلك.
هؤلاء قادرون حتى على اعادة الأندلس من جديد.
لقد ظلت الاحزاب السياسية منذ استقلال السودان ترفع (شعارات) لا يتحقق منها شيء، وكذلك كانت تفعل الحكومة التي اكثرت من رفع الشعارات، دون ان يتحقق في ارض الواقع غير شعار (تسقط بس) الذي خرج من عبقرية هذا الشعب ومن رحم هذا الجيل العظيم.
إن كنا نلوم انفسنا على صبرنا على ذلك النظام (30) عاماً، فان لنا ان نفخر كل الفخر بإسقاط نظامين في (24) ساعة فقط.. هذا لا يحدث إلا في ارض السودان.
خلع (الرئيس) البشير في 11 ابريل واذيع بيان ذلك عند الساعة الواحدة و45 دقيقة ظهراً، واجبر (الرئيس) عوض بن عوف على التنحي بعد ان عيّن رئيساً للمجلس العسكري بعد (19) ساعة فقط من توليه للمنصب.
لقد أُسقط رئيسان في (24) ساعة وتبع ذلك اقالة صلاح قوش مدير جهاز الامن والمخابرات في النظام السابق، ليسقط هذا الجيل رئيسين ونص بين ليلة وضحاها.
(4)
عندما تشتري (بطيخة) وتفتحها لو طلعت (حمراء)، وما (حلوة) ، ما بترجع تاني.
وكذلك هو (المجلس العسكري).