إن كان وسط الإحباط العام الذي نعيشه من بريق أمل، فهو محافظة ديوان المراجع العام على العمل المهني والذي أصبح عملة نادرة الآن.
الطاهر عبد القيوم المراجع العام القومي يقدم تقريرا سنويا خاليا من المحاباة ليذكرنا أن هذا البلد به من الكوادر التي يمكن أن تقود خدمة مدنية نظيفة وغير ملوثة إذا منحت الفرصة.
تقارير عبد القيوم تمثل توصيف دقيق للمثل الشعبي )دار ابوك كان خربت شيل منها شلية(. الخراب الذي يسيطر على مؤسسات وشركات الحكومة يستفحل يوما بعد يوم مع ارتفاع حالات النهب والسرقة.
تقرير المراجع العام أثبت أن 14 وحدة حكومية لم تخضع للمراجعة.. وحدات ممنوع الاقتراب بأمر نافذين.. أما الجهات الحكومية أو التي تسهم فيها الحكومة والتي أخضعت للمراجعة فقد كانت نتائج معظمها كارثية .
التقرير أظهر تجاوزات مثلا في الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة، وفي الهيئة القومية للاتصالات.. وفي مجموعة سوداتل حيث ذكر أن المجموعة تعتمد على تمويل أنشطتها من الموارد الخارجية بنسبة 58% لتآكل حقوق الملكية. وانخفاض الربح من العمليات التشغيلية بمبلغ 9.612 ألف دولار فيما ارتفعت المصروفات العمومية بمبلغ 21.157 ألف دولار وانخفاض الإيرادات الأخرى. وقال التقرير إن رأس المال به عامل سلبي. وأكد أن المجموعة لا تستطيع الإيفاء بالتزاماتها قصيرة المدى حال طلبها.
في شركة هندسة المطارات الاستشارية؛ بلغت الخسائر أكثر من 17 مليار جنيه ووجود أرصدة شاذة بالحسابات واستخراج عهد بأسماء أشخاص وصرفها لآخرين. وفي شركة مطار الخرطوم الدولي فقد كشف التقرير عددا مذهلا من التجاوزات ومخالفات للائحة الشراء والتعاقد.
أما المخالفات والفساد في تقارير المراجعة بالولايات فهذه كارثة أخرى.. فمثلا في ولاية البحر الأحمر تخطت التجاوزات مرحلة المخالفات المالية والتجنيب إلى ظهور أسماء لشركات حكومية تعمل في عدة مجالات وتنافس القطاع الخاص، لكن هذه الشركات الوهمية لم يعثر لها على أي أوراق رسمية في سجلات الولاية.
ولكن وعلى الرغم من كشف حالات الفساد والزيادة المضطردة التي يسجلها المراجع القومي سنويا ويرفع بها شكوى رسمية إلى البرلمان، فإن الخطوة الأخيرة تقف عند تداول أعضاء البرلمان للتقرير وأخبار تتناولها الصحف وتنتهي القضية بانتهاء مراسم دفن تقرير عبد القيوم.