باتت المئات من الأسر السودانية ليلة أمس والحسرة تملأ قلوبها، بعد الكارثة التي حلت بها وجعلت )أباطها والنجم( من رأس مال أو حتى معاش يوم واحد لتضاف هذه الاسر لملايين الاسر التي اصبح مستقبلها حالك الظلام في ظل سياسات الافقار والتجويع التي تنتهجها الحكومة منذ ثلاثة عقود.
فالسودان البلد الودود الولود لم يعد فيه مكان للفرح او الشعور بالأمن والاستقرار، أضحى الامس واليوم وغدا سيان، ولعل ما حدث بسوق ام درمان من حريق هائل صبيحة امس الاول، وحالات الاغماء والهستيريا التي اصابت العديد من التجار ممن فقدوا رؤوس اموالهم أبلغ دليل على الحال التي وصلنا اليها، فالسوق محاط بالكثير من الاشكالات المحفَزة على إشتعال النيران، ومحفزة للسرقات، ومحفزة للكثير من الكوارث القادمة لاقدر الله، بعد ان فشلت المحليات المتعاقبة في ايجاد حل جزري لهذا السوق الذي يعتبر أحد أكبر أسواق السودان والذي يرفد بقية الاسواق بالعاصمة والولايات بالكثير جدا من السلع المختلفة، فالفوضى هي الغالبة على السوق، لا منافذ ولا مخارج، المداخل ضيقة، السائد هو العشوائية وعدم الالتزام بقواعد الاسواق المتعارف عليها. والاهم من كل ذلك افتقاد وسائل السلامة وانعدام الامن ايضا، حيث لا توجد نقاط شرطية دائمة تسهر لحراسة المحلات التجارية ولمواجهة مثل هذه الاحداث.
هذه وغيرها من أمثلة تناولناها كثيرا في هذه المساحة واغضبت المعتمدين المتعاقبين على محلية أمدرمان.
أحاديث كثيرة دارت هنا وهناك، وبوستات تناقلتها صفحات الناشين والناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن المنتظر والمتوقع لم يأت بعد من قبل الحكومة الموقرة التي إكتفت ببيان خجول من الشرطة، ولم نسمع بتغريدة من السيد رئيس الوزراء حول هذا الامر على غير العادة، ولعل ما كتبه الماجد وائل إبراهيم يعبر تماما عن دواخل الكثيرين وهو يتساءل بحسرة عن المسؤولين بالدولة، وحقا لو لدينا وزير مالية )مال مكانه(، ولو لدينا رئيس وزراء حقيقي مجتهد ومهتم بمعاش الناس، لكانوا الآن متواجدين في موقع الحدث بسوق ام درمان يسكبوا الدمعات مع أصحاب الوجعة، لان الخسارة التي لحقت بالسوق ليست خسائر التجار واسرهم وممتلكاتهم فقط، وليست خسارة باعة متجولين أو خسارة لستات الشاي أو الفرّيشة فقط، وهي بالتأكيد ليست خسارة مباني وسيولة و سوق عريق و مباني تاريخية ومزارات سياحية فقط، الخسارة خسارة إقتصاد جزئي و زيادة في تدهور الإقتصاد الكلي و الناتج المحلي، خسارة في دخل الفرد وزيادة في إختلال ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
يعني ديون و إستيراد و زيادة طلب على العملة الحرة، يعني عطالة وبطالة، يعني دخول وجوه جديدة لدائرة الفقر، وحتما إن كانت الحكومة حكومة محترمة بحق تحترم المواطن وتضع له اعتبار ولكرامته وصبره وجلده عليها وعلى سياساتها الفاشلة أدنى إعتبار، فالطبيعي أن تبدأ بتعويض جميع المتضررين، وقبل ذلك تقديم إعتذار رسمي محترم يليق وحجم الفاجعة التي ألمت بهم، ولكن ما نقوله ونتمناه شئ والواقع شئ آخر تماما.
لذا فهي دعوة مني أن يكون الشعب السوداني على قدر الحدث وان ينسى تماما ان هناك حكومة عليها تكل أو إعتماد، ويبدأ في معالجة مشاكله بنفسه بإعلان نفير يسمى )نفير الشعب للشعب(، يكون بدعم كافة المتضررين من حريق السوق حتى ولو بجنيه واحد لكل مواطن فقير فالهدف هو إزكاء روح المشاركة التي أوشكت ان تنعدم وسط السودانيين، على أن يكون ذلك بصندوق يتم الإتفاق على الاشخاص المكلفين به وهم بالتأكيد سيكونون من أصحاب الثقة في كل حي وكل منطقة، فالضرر الذي وقع، وقع على الجميع حتى ولو لم يكن بشكل مباشر.
الجريدة