تكشف المؤشرات والتقارير الدولية مدى التأثيرات السلبية للحزمة الأولى من العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، حتى بات من الواضح أن أياما صعبة تنتظر الإيرانيين. فعجلة الاقتصاد، المتعثرة أساسا بسبب الفساد الذي ينخر مؤسسات البلاد، قد تهوى لمنحدر يصعب الصعود منه، خاصة مع التدهور التاريخي الذي تشهده العملة المحلية، وذلك بعد أن فقدت أكثر من 80 في المئة من قيمتها منذ أبريل الماضي. ونتيجة لانهيار الريال الإيراني، من المتوقع أن تتوقف جميع النشاطات المالية والتجارية، خاصة مع حظر شراء الدولار الذي تفرضه العقوبات الأميركية الجديدة على نظام الملالي. وتحظر العقوبات على إيران التجارة بالدولار الأميركي، ووضع قيود على تجارة البترول الإيراني الذي يشكل المصدر الرئيسي لدخلها، وكذلك فرض قيود على تجارة السيارات وقطع الغيار. وبموجب العقوبات، لن يتمكن النظام من الاعتماد على عملته المحلية، المنهارة أصلا، في إنجاز معاملات مالية وتجارية. وتستهدف العقوبات الأميركية المعاملات التجارية الهامة التي تعتمد على الريال الإيراني في البيع والشراء، وتطال أيضا الحسابات البنكية التي تحتفظ بمبالغ كبيرة من الريال خارج إيران. واستمرارا لانحدار المؤشرات الاقتصادية للبلاد إلى مستوى سلبي غير مسبوق، من المتوقع أن تتراجع وتيرة مؤشر النمو في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى معدل البطالة الذي وصل إلى 30 في المئة بالفعل. ومن الآثار المتوقعة أيضا حدوث نقص كبير في السيولة، قد تدفع المستثمرين المحليين إلى حماية ثرواتهم، عبر الأصول العينية، مثل سبائك الذهب.
سحب الاستثمارات
وبالتزامن مع عزوف المستثمرين الأجانب عن العمل في السوق الإيرانية، أعلنت كبريات الشركات العالمية عزمها سحب استثماراتها، خوفا من الغموض الذي يكتنف مناخ الأعمال في إيران. ومن أبرز هذه الشركات “توتال الفرنسية” للنفط التي كانت تستحوذ على 30 بالمئة من حصة حقول الغاز في إيران، لكنها تعتزم الانسحاب من صفقة تصل إلى مليار دولار. كما تأثرت شركات “ميرسك” الدنماركية للشحن التي تعتزم تعليق شحن النفط الإيراني، و”بيجو” الفرنسية لصناعة السيارات التي تعتزم تعليق استثماراتها. وتعتزم شركة “جنرال إلكتريك” الأميركية لمنتجات النفط والغاز إلغاء تراخيصها التجارية في إيران، رغم تحقيقها عائدات بلغت 25 مليون دولار في إيران منذ عام 2016. وكذلك الحال لشركة “هانيويل” الأميركية للتكنولوجيا التي تعتزم تعليق عقد لتطوير تكنولوجيا المراقبة لشركة البتروكيماويات الإيرانية، رغم تحقيقها عائدات بلغت 110 ملايين دولار منذ عام 2016. وستتخلى شركة “بوينغ” الأميركية للطيران عن صفقة بقيمة 20 مليار دولار مع الخطوط الجوية الإيرانية. أما شركة النفط “لوك أويل” الروسية، التي كانت مرشحة لتطوير عدد من حقول النفط الإيرانية، فقد علقت منذ نهاية مايو مشاريعها المشتركة في إيران. وتخطط شركة “ريلاينس” الهندية التي تمتلك أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم، لوقف استيراد النفط الإيراني بدءا من أكتوبر أو نوفمبر المقبلين. وكذلك تخطط شركة “دوفر كورب” الأميركية لمنتجات صناعة النفط التي كانت وقعت عقودا مع إيران عام 2017، لإنهاء كل الأعمال التجارية مع إيران. وقررت شركة “سيمنس كوربوريشن” الألمانية، متعددة المنتجات، عدم تسلم طلبات جديدة من إيران، وخفضت مصالحها التجارية هناك.
ضد “النظام”
ومن المتوقع أن تضرب تأثيرات العقوبات الأميركية الجديدة، بشدة، جوانب عدة من حياة الإيرانيين، ولن يقتصر ضررها على الشق الاقتصادي، بل سيصل مداها على الأرجح إلى الجانب الاجتماعي، وهو الذي يتوجس منه النظام الإيراني. فلم تردع السلطات، رغم محاولاتها الحثيثة، الحراك الذي تشهده شوارع المدن الإيرانية، لتكميم أفواه المواطنين المحتجين على الوضع الاقتصادي المتدهور لبلدهم. وبحسب الخبراء في الشأن الاقتصادي، فإن الوضع الحالي سيزداد سوءا. وسيكون تجار “بازار طهران الكبير” في موقف متأزم، لم يعايشوه منذ ثورة عام 1979. فتردي الأوضاع الاقتصادية سيفاقم الغضب الشعبي وسيؤدي إلى اندلاع مزيد من المظاهرات بسبب ارتفاع معدلات التضخم.