لم تخرُج حافلة الرُكاب المُتجهة إلى شمال بحري من منطقة السوق ، ولم يستوي ركابها في مقاعدهم بعد عندما صاح أحدهم بأعلى صوته الله ينتقم منكم ، التفت الجميع إلى مصدر الصوت بما فيهم السائق الذي ظنّ أنّ الأمر يتعلّق بالكُمساري واشتباكه العادي مع الركُاب في حرصه على أخذ قيمة التذكرة كاملة منهم ، وما زالت لعنات الرجُل السبعيني مُتصلة الله ينتقِم منكم ، من هؤلاء يا عمك فأجابهم جاءني تلفون من ابنتي ذكرت لي فيه أنّ الكهرباء لم تعود حتى الأن وأنا زول مريض لم أصُدِق أني حصُلت بالأمس على أدويتي بصعوبة وتركتها في الثلاجة وأخشى عليها من التلف المؤكد .
لم يخرُج الحديث رُبما إلى نهاية الرحلة من مُربع الكهرباء وسوء تخطيط من أوكلوا أمرها لهُم مع مواساتهم للرجُل وتمنياتهم له ودعواتهم بأن لا يفقد أدويته التي لم يكُن العُثور عليها هيّنا ، ومنّا من يسب ويسخط ويلعن في من كانوا سبباً في وصولنا إلى هذه المرحلة التي تردّت فيها أحوال كُل الخدمات ، وأولها الكهرباء التي يحتاجها الناس لأهميتها اليوم في المُدن والريف ولا استغناء عنها ، وأمل عودتها إلى طبيعتها يتباعد مع شروق كُل شمس ، وقد دبّ اليأس في نفوسِ المواطنين من تحقيقها وحال البلاد واقفة كما ترونها.
تخيّلوا معي كم مريض بيننا ينتظر عودة الكهرباء ويأمل في إن يستمر إمدادها ، وكم من خدمة ضرورية يحتاجها الناس في معاشهم اليومي تعتمد اليوم على الكهرباء فقط ، ولكن عندما تنعدم الرؤى وتغيب الخُطط وتُصبح للساسة أولويات أخرى لا علاقة لها بالمواطن وهمومه يُنفقون فيها أضعاف كثيرة للأموال التي يحتاجها قطاع الكهرباء والتي يستقر بتوفيرها الإمداد كما ذكر الوزير الجديد ، ومن غير المألوف أن تغيب الكهرباء في فصل الشتاء وهذا ما لم يكُن يحدُث من قبل في أي نظام سياسي.
من المؤسف أن تعجز حكومة لم يهدأ طائر ساستها من التسفار بهم من دولة لأخرى ، ومعظمهم جاءوا من بُلدانٍ يُسارع وزير الكهرباء فيها باستقالته تصحبه لعنات المواطن إن أخطأت وزارته وقطعت التيار عن منطقة بدون اعتذار مُسبق لدقائق معدودات، وفي قلب العاصمة التي ظللنا نتباهى بأنّ التيار الكهربائي دخلها في العام 1907م قبل أن يدخل لعواصم كثير من دول الجوار الجغرافي التي قفزت اليوم وتركتنا نجتر في ذكريات ماضينا القديم ، ألم يتعلّم هؤلاء شيئاً من تلك الدول التي استضافتهم ..؟ أم استمرأ الجُدد في الاعتذار بعدم السيولة مثلما كان يفعل القوم الذين أسّسوا للدمار الذي نعيشه في يومنا هذا.
يكفينا اعتذار بأنّ السيولة هي العائق الوحيد في استمرار التيار والكُل يعلم بانّ شركة الكهرباء تأخذ قيمة التيار مُقدما ، ووزير الكهرباء ما زال يوصينا بالصبر على انقطاعها.