صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مَا يَطلبه المُستَمِعُون !

12

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

مَا يَطلبه المُستَمِعُون !


)1(
في ضحوة السّبت الأول من أمس وأنَا أتَجَوّل في محطات الأف أم الإذاعية، تَوقّفت عند الإذاعة الاقتصادية على الموجة 89، حيث كانت المُذيعة إسراء “فاتحة” المايكروفون على الجمهور مُباشرةً في برنامجٍ تفاعلي، فكان أول المُتحَدِّثين معها مُوَاطِنٌ اسمه أحمد حكى لها بصوتٍ مُتهدِّجٍ المُعاناة التي يُعانيها من حيث قسوة الحياة، فقال لها إنّه لا يتذكّر متى شرب لبناً، ولا يتذكّر متى أَكَلَ لحماً! وقال لها إنّه رأى بأم عينيه البعض يأكل في مصارين الجِدَاد، وآخرين يَأكلون في الجلود، وَكَانَ يُكرِّر عبارة )الجماعة ديل حقو بعد دا يَخَلُوا الحُكم دا(!! وقد انسربت منه عبارة )تلاتين سنة كَتيرة جداً(، فاعتذر بعدها للمُذيعة قائلاً )مَعليش يا أستاذة(، فردّت عليه بالقول مافي مُشكلة يا أحمد إنت عندك رسالة وعاوز تَوصِّلها، وطبعاً دا برنامج مُباشر ونحن بنحترم آراء السَّادة المُستمعين.
)2(
بَعد أحمد مُباشرةً وبدون أيِّ فاصلةٍ غنائيةٍ أو غيرها، اتّصلت صَديقتنا الزمَـاااان حاجة خليفة، وحاجة خليفة صديقة دائمة للقنوات الفضائيّة والمَحَطّات الإذاعيّة، وهي إنسانة لطيفة تجيد الحكي، بدأت حاجة خليفة مُداخلتها بتأكيد ما قاله أحمد بأنّ الحَالة أصبحت صَعبة جداً، وقالت إنّها ليست صغيرة، إذ كانت طفلةً في عهد عبود وعاشت فترة الأزهري الثانية، والنميري، والصادق، والإنقاذ بوعي تامٍ، ووصلت لخلاصة أنّ السودان لم يتقدّم للأمام ولا شبراً وأنه يتراجع للوراء، وقالت إنّها تعوّدت زيارة إثيوبيا فكانت في كل مرة تجدها أحسن من المرة السابقة، واختتمت حاجة خليفة مُداخلتها بمُناشدة السّيّد رئيس الجمهورية عمر البشير بأن )يقعد مع الجماعة عشان الناس تعرف تحل مُشكلة البلد دي كيف(! ثُمّ دعت بأن يحفظ المولى السُّودان.
)3(
أعقبت حاجة خليفة سيدةٌ أُخرى، كانت المذيعة إسراء تُناديها بخالتو هداية فيبدو أنّها صديقة قديمة للبرنامج، وتحدّثت خالتو هداية بألمٍ شَديدٍ عمّا تُعَانيه! وقالت إنّها تَعوّدت هذه الأيام أن تذهب للفُرن مع صلاة الصبح لكنها اليوم شالتها نومة فذهبت إلى هُناك بمُجرّد ما صحت، فوجدت نفسها رقم 18 فوقفت في الصف رغم مرضها! وَشَكَت من صُغر الرّغيفة ثُمّ من الارتفاع المُتصاعد في أسعار حُبُوب الضغط! وقالت إنّ آخر شريط اشترته بمائة وخمسين جنيهاً بعد أن كَانَ بعشرين جنيهاً فقط! ثُمّ صاحت )أنا أجيب القُرُوش دي من وين؟!(، ثُمّ حكت عن أنّها الآن شادّة حلّة بطاطس وأقسمت بأنّ تكلفتها حتى ساعة كلامها هذه وصلت مائة وخمسين جنيهاً! ثُمّ قامت بمُسَاعَدَة المُذيعة في تفصيل المبلغ: ربع كيلو لحم بقر, بطاطس, بصل, زيت و)لسه البهارات وتمن الغاز برّه(!
)4(
أها يا جماعة الخير هذا الكلام أعلاه ليس من رأسي أو كراسي أو من الواتساب أو الفيسبوك وكُل بقية السوشيال ميديا، إنّما سَمعته مُباشرةً من إذاعة مُرخّصَة بمُوجب القوانين السّارية مُنطلقة من قلب الخرطوم أوردته هنا وبهذا التفصيل لإثبات أمرين، أولاهما أنّ الإعلام الرّسمي عندما ينتزع حُريته أو حَتّى يَسمح له بها يَكُون صَادقاً وجَاذباً، ثُمّ ثانياً الشّكوى المَعيشيّة تتطوّر بصُورةٍ تلقائيةٍ من خانة الاقتصاد إلى خانة السِّياسَة ولا تحتاج إلى مُرشدٍ سِيَاسي.!
ويبقى السُّؤال هَل يَسمعون؟ خليكم معانا إن شاء الله.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد