* رغم إنني كتبت عشرات المرات عن مهزلة مشاريع الاستثمار العربي في الولاية الشمالية، إلا إنني لن أكف حتى يتم التصحيح وتعود الحقوق كاملة الى الوطن والمواطن.
* تناولت أمس بشكل عام هذا الاستثمار الذي (يحتل) مساحات ضخمة من أخصب الأراضي الزراعية في السودان بعقود مجحفة طويلة الأجل تصل الى 99 عاماً، لا يستغل منها سوى مساحة صغيرة جداً ويحتفظ بالباقي بور ويحرم الآخرين من الانتفاع به، بالإضافة الى اهدار المياه الجوفية بزراعة محاصيل مثل البرسيم الذي مُنعت زراعته في دول الخليج، كما انه يستجلب غالبية العمالة من الخارج حتى في المهن التي لا تحتاج الى أية مهارة، ولا يقدم أي نوع من الخدمات للسكان المحليين، مع تصدير الانتاج الى الخارج والاحتفاظ بجل العائدات في البنوك الخارجية بينما يعاني السودان من شح العملة الصعبة.. باختصار شديد فانه ليس استثماراً، وانما استعمار استيطاني جشع، بل اسوأ كثيراً من الاستعمار!
* أحد نماذج هذا الاستثمار الاستعماري الذي خدع منظره الاخضر الزاهي الجميل وزير المالية فشرع يتغزل فيه بدون ان يعرف عنه شيئا، هو مشروع (أمطار) في منطقة (غرب الدبة) بالولاية الشمالية الذي اشتهر خلال العهد البائد بجريمة استيراد 20 ألف فسيلة نخيل مصابة بفطريات سامة من دولة الأمارات، كان بإمكانها القضاء على كل النخيل في الولاية الشمالية، مثلما حدث من قبل في المغرب بالقضاء على أكثر من 7 مليون نخلة في عدة أشهر وتسبب في ذبول النخيل في الامارات، ولولا اصرار هيئة وقاية النباتات، رغم المعارضة الشرسة التي وجدتها من وزير الزراعة آنذاك، على إبادتها وتعقيم التربة وإعادة التي لم تستخدم الى الامارات، لحدثت كارثة!
* تبلغ المساحة المخصصة لزراعة البرسيم (حوالى 90 % )، بينما لا تزيد مساحة حقول القمح، الذي تغزل فيها وزير المالية عن (5 % )، ولا يتجاوز عدد العمالة السودانية 40 % ، والبقية أجانب (من باكستان وبنغلاديش ومصر والصومال) حتى في ابسط المهن، فكيف نسمى هذا استثماراً وتنمية وهو يستجلب كل عمالته من الخارج ولا يوفر فرص عمل او تدريب للسودانيين في بلد تصل فيه نسبة البطالة الى أكثر (35 % )، كما انه لا يقدم أي نوع من الخدمات لمواطني المنطقة، بينما يتمتع العاملون فيه بكل شيء (ماء شرب نظيف وكهرباء 24 ساعة، ومركز صحي ومساكن راقية وكل شيء) !
* يحدث هذا العبث، أيها السادة، في مشروع شراكة بين حكومة السودان و(مواطن) أماراتي يحوز على (60 % ) من الأسهم، رغم ان الحكومة تشارك في التمويل بقرض بنكي بالإضافة الى توفير الأرض حسب العقد الذي اعطاه حق تعيين الادارة أيضاً والتحكم في كل شيء، فهل هنالك مهزلة وإهدار للسيادة الوطنية أكثر من هذا ؟!
* ولم يكن غريباً بالطبع أن تلجأ الإدارة الى الحل الأسهل لري المشروع، باستخدام المياه الجوفية بدلاً عن حفر ترعة واستخدام مياه النيل لتقليل التكلفة، بالإضافة الى استخدام (نظام الري الهوائي) الذي يتسبب في اهدار المياه بالتبخر الذي تصل نسبته الى حوالي 70 %، مما يعني استخدام ثلاثة أضعاف كمية المياه المطلوبة للري واهدار المياه الجوفية التي تتجمع في آلاف السنوات، ولكن من يهمه ان تتبدد المياه الجوفية ويتحول السودان الى صحراء وتتشرد الأجيال القادمة، ما دامت الحكومة ووزير المالية وطير البقر سعداء بذلك!
* كما ان المساحة المستغلة لا تتعدى (7 ألف فدان فقط) من إجمالي مساحة المشروع التي تبلغ حسب العقد (50 ألف فدان) لمدة (99 عاماً)، ما يعني تجميد أكثر من (40 ألف فدان) (ليس معروفاً الى متى)، كان من الممكن الاستفادة منها بواسطة مستثمرين نافعين وطنيين أو أجانب، ولكنها تُعطى لشخص واحد يستغلها في زراعة البرسيم الذي يصدره الى الخارج، ويحتفظ بالباقي بور لمدة (99 عاماً)، ومكافأة له على ذلك منح المزيد من الأرض في الخرطوم لزراعة علف الرودس الضار للماء والتربة وتصديره الى الخارج بدون ان ينتفع منه السودان بشيء!
* هل هذا هو الاستثمار الذي تتغزل فيه يا وزير المالية، أم انه استعمار واستهتار واستحقار واهدار للموارد السودانية وحقوق الأجيال القادمة بدون ان ينتفع منه السودان والمواطن السوداني بشيء؟!