* تربط الصحفية المصرية وخبيرة الشؤون الافريقية بمركز دراسات الاهرام الدكتورة (أماني الطويل) علاقات وثيقة بالسودان، وهي تعرف وتتابع كل صغيرة وكبيرة عن السودان، وتتفاعل مع كل قضايا السودان، ولها كتاب موسوعي عن العلاقات السودانية المصرية، وكتبت مؤخرا مقالا ممتازا حول الحرب الشرسة التي تدور في الوسائط ضد مصر هذه الايام، اقتطف منه الآتي:
* انتشر فيديو عبر وسائل التواصل لحريق اندلع عند معبر أرقين على الحدود بين مصر والسودان، وتم رفض دخول سيارة الإطفاء المصرية، رغم تعذر وصول سيارة سودانية. اصطف الأشقاء السودانيون لمنع السيارة المصرية من الدخول.
* هذا المشهد يُتوِّج عشرات المعلومات المفبركة والمصطنعة ضد مصر في الفترة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة ممتدة منذ نظام عمر البشير وحتى الآن، مثل الموالح المصرية المسرطنة، والمساعدات الطبية المصرية منتهية الصلاحية، والدقيق المصري الملوث ببدرة السيراميك!
* ذكرتني هذه المنظومة المصنوعة بمهارة بالوثائق البريطانية التي اطلعت عليها في دار المحفوظات البريطانية بلندن، حينما كنت أعد رسالتي للدكتوراه، وهي حافلة بعشرات الشائعات التي تم طبخها في مقر السفارة البريطانية في الخرطوم، وتم اخطار الخارجية البريطانية بها في خطابات السفير البريطاني، ولعلي لا أنسى الشائعة التي أطلقها عام 1955 عند فتح ملف المياه بين مصر والسودان على خلفية استعداد مصر لبناء السد العالي ورغبة عبد الرحمن المهدي في تقنين حصة سودانية من المياه، لأن الأنصار كانوا يعتمدون علي الزراعة ومحصول القطن تحديدًا.
* يقول السفير في خطابه للخارجية: “إننا اختلقنا أن المسؤولين المصريين والسودانيين التقيا للتباحث فقال المصري للسوداني “هل تعتقد أن مزيدًا من المياه سيساهم في تغيير لونك؟!”.
* وثيقة أخرى تعترف بنشر شائعة في جنوب السودان بأن المصريين قادمون للجنوب لينزعوا زراعات الذرة التي يعتمد عليها الجنوبيون في مأكلهم ويزرعون الأرز الذي يأكله المصريون مكانها، وكانت هذه الشائعة لإجهاض مجهود مصري قاده جمال عبدالناصر لضمان استقلال كامل للتراب الوطني السوداني، في حين كانت بريطانيا تسعى إلى أن يظل جنوب السودان تحت ولاية الحاكم العام البريطاني.
* قياسًا على هذه الخبرة التاريخية، اكاد اجزم أن الشائعات والحكايات والتحريض على مصر في السودان هو صناعة مخابراتية بامتياز تقوم بها أطراف تريد أن تنسف التقارب السوداني المصري في أزمة سد النهضة، المؤسس على مصالح كل دولة وطبيعة الأخطار التي تواجهها بسبب هذا السد.
* على سبيل المثال، نشر موقع مجهول وثيقة مزورة تقول إن الاتحاد الأفريقي اعترف بحلايب ضمن الحدود المصرية، ومن ثم هاجم رئيس مفوضية الحدود السودانية مصر، دون التأكد من صحة الخبر الذي اتضح لاحقا انه مفبرك.
* المعابر البرية بين مصر والسودان هي الهدف الحالي للشائعات المؤسس على أن مصر تنهب السودان وخيراته وتضر السودانيين، بينما الحقائق الإحصائية تقول إن حجم العجز التجاري بين مصر والسودان لا يتجاوز 136 مليون دولار، بينما العجز التجاري السوداني مع العالم هو 5.3 مليار دولار، وفي هذه الحالة يكون السؤال المشروع، من ينهب السودان .. مصر أم الدول الاخرى ؟!
* بعيدًا عن الإحصاء، وقريبًا من حياة الناس قفزت أسعار الموالح في السوق السودانية بعد الإغلاق المؤقت للمعابر البرية بين مصر والسودان .. بعبارة أخرى تضرر المواطن السوداني العادي من إغلاق المعابر، بينما تستفيد الأجندات السياسية لأطراف اخرى مثل اثيوبيا لا تتوقف عن اتهام مصر منذ اندلاع الاشتباكات الحدودية مع السودان بأنها طرف ثالث في هذه الحرب، علي الرغم من انها هي التي ربطت ملف سد النهضة بملف الحدود الإثيوبية السودانية منذ مارس 2020 بعد أن بدأ الموقف السوداني يبحث في تداعيات بناء السد على السودان، وبدأت ثقة السودان في إثيوبيا تتحلل بعد انسحابها من التوقيع على اتفاق واشنطن، ثم قيامها بالملء الأول لسد النهضة دون اتفاق، مما أدى لتوقف محطات مياه الشرب السودانية ثم توقفت مرة أخرى بسبب إطلاق مياه هذا الملء، وأخيرًا بالتأكيد إن آبي أحمد رئيس الوزراء الأثيوبي هو المسئول الأول عن حربه ضد “تيجراي” التي بسببها انكشفت اثيوبيا عسكريا، فأعادت الخرطوم تموضعها على ترابها الوطني المحدد في اتفاقية 1902.
* المشكلة الأساسية التي تواجهها مصر في السودان هو الاستعداد الجاهز لدى الذهنية السودانية الشعبية لتصديق أي شائعة عن مصر ونشرها على “جروبات الواتس آب” لتنتشر انتشار النار في الهشيم، وذلك في تقديري لأسبابذهنية تعودت على أن (مصر هي شيطان كامن) في كل تطور سياسي سوداني تاريخيا، بسبب مجهودات المخابرات البريطانية والغربية المستمرة لضمان فرقة مصرية سودانية.