هذا بلاغُ بحبر الدم.. مكتوب على صفحة ناصعة من صفحات التاريخ.. إلى ذلك القبس المضي لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وكانوا على قدر صدقهم واقدارهم.. رجال لم تورثهم الارض قبوراً.. وكتبوا سوانح نهاياتهم بأشلاء الأجساد المتناثرة.. إلى شهداء الشرطة في الخالدين..
وبعد…
بلاغ إلى لويس سدرة.. إلى تاج السر الباترا.. سالم زمام.. سلمي عطرون.. محمد عبد الجبار.. ابراهيم احمد عبد الكريم.. وعباس مدني.
قلت له: ’’وهل انضر سنين العمر تسرقها المهنة..’’ !!.. ’’دحرجت’’ له السؤال المفتاحي فقال لي بعد ’’تنهيدة’’ طويلة: يا بني هي المهنة الصراط التي اعطيناها ’’الحب’’ فأعطتنا الحياة.. اتيناها صغاراً بحماس الشباب وتعلمنا فيها مبادئ عديدة تبدأ بأن اللقمة المغموسة في الحلال لا تخرج من جوفك إلا على سبيل العافية.. حملناها شجوناً على اكتافنا.. ما بين صفا .. انتباه.. وانصراف..
اتيناها شبابا وبقينا فيها على توكل ويقين بأن المغادرة ستكون الى بابين من ابواب اللاعودة.. لا ثالث لهما.. باب المضي الى القبر.. أو باب المغادرة بـ’’وفاء المدة’’.. نغادر بالدموع ونستدعي بداياتنا مع العيون العسلية.. الشعر القرقدي.. خمسة اقدام وثماني بوصات.. الشرف والامانة.. حسن السير والسلوك.. وما بين تلك.. وتلك هناك ذكريات وقصص عن عظمة البوليس.. ذاك ’’النوبتجي’’ الذي يهتم بـ’’تمام العهدة’’ في السجلات.. يسرع في همة ونشاط لتقييد آلاف الجنيهات التي وجدها عسكري الميدان في درج العربة التي ارتكبت حادثا وانتقل صاحبها إلى الرفيق الأعلى.. يفعل الشرطي ذلك وباله مشغول بتلك الفواتير التي تنتظره في المنزل الذي يشكو من قلة الفئران وهو لا يملك من نعيم الدنيا غير جنيهات لا تشترى سوى الخبز الحاف.. ولكنه لا يشكو.. ولا يتذمر ولا يعرف معنى الاستياء ناهيكم عن ’’الاضراب’’ والخراب..
وطالما جاء حديثنا عن ’’الاضراب’’.. دعونا نذكر ضباط الشرطة ’’نقيب وما دون’’ لنقول لهم بأن ’’البوليس’’ نفذ اضرابه الاول عام 51 في عهد الاستعمار.. لان حكومة الاحتلال قامت بفصل 70 من منسوبي الشرطة بسبب اجتماع عقد لتكوين نقابة خاصة بالشرطة.. اما انتم فقد جاء ’’اضرابكم’’ وفق المطالب الآتية في ظاهره: ’’-تنظيف الشرطة من سيطرة بقايا النظام البائد. -محاسبة كل من تورط في فتح مخازن الشرطة ومنح زيها الرسمي وعرباتها للمليشيات الخارجة عن القانون. -الحفاظ على الشرطة كجهاز قومي مهني يخدم الوطن والشعب وليس الحزب والسياسيين.. الرجاء من المواطنين التفهم لأسباب وأهداف هذا الإضراب والتعاون مع ضباط وضباط صف وجنود الشرطة المضربين حتى ننعم جميعاً بجهاز شرطي مهني يخدم الشعب في دولة القانون والمواطنة.’’
هذه مطالب عظيمة ومشروعة في ظاهرها.. ولكن يظل انتقادنا قائم لطريقة ’’التظاهر’’ والفوضى التي قدمت به.. وهي طريقة لا تعبر عن قوى نظامية منضبطة لها تراتيبية وسلسلة عسكرية معلومة في تقديم المطالب وحفظ الحقوق.. ولكن دعونا نتفاكر معكم ايها الضباط حول الجزئية التي طالبتم بها: ’’الحفاظ على الشرطة كجهاز قومي مهني يخدم الوطن والشعب وليس الحزب والسياسيين’’.. نحن معكم في هذا المطلب.. ولكن قبل ان نتحدث عن قيادتكم العليا المقصودة بهذا المطلب الذي يطعن الخاصرة.. يجب ان يبدأ بكم الحساب.. والحساب ولد.. يجب ان تٌفحص ملفاتكم فردا فرداً لنطمئن بأن تعيينكم في الشرطة قد تم بلا ادنى محسوبية او واسطة ونتمنى بالا نجد فيكم من جاء بـ’’ماكينة’’.. ’’ابن الفريق فلان وابنة اللواء علان’’ لان الشرطة جهاز قومي.. والعمل فيه بالضرورة ينبغي ان يكون وفق الدستور والقانون والاشتراطات الفنية المعلومة التي وضعتها المؤسسة.. وان كنت اشك شكا يصل لدرجة اليقين بعدم الالتزام بهذه الشروط.. وهذا يبدو بشكل واضح في الضباط ’’قصار القامة’’ الذين لا ينطبق عليهم ’’شرط الطول’’ المقيد بالخمسة اقدام وثماني بوصات.. عطفا على اللياقة البدنية وغيرها وغيرها..
اما ’’الاضراب’’ في حد ذاتها فهو فعل يليق بـ’’الملكية’’ والنقابات العمالية.. ولكنه يؤكد لنا بأن هذه القوة ’’زادوها موية’’ ولم ’’تدخل الميدان’’ الذي لم يعد فيه ’’سالم زمام’’ ولا ’’سلمي عطرون’’ ولا ’’تاج السر الباترا’’..
لم يعد في بلادنا امان نباهي به العواصم العربية.. ولم تعد في بلادنا شرطة ’’ماليه قاشا’’ طالما ان صغار ضباطها يضربون عن العمل ويظاهرون في حضرة قادتهم ويتسببون في ارباك حياة الناس.. مع ان مآكلهم من اموال الشعب السوداني.. ومسكنهم من عرق دافعي الضرائب والجبايات.. ماذا تبقى لهذا البلد يا شرطة السودان.. ؟؟ لا احد بعد اليوم سيغني: ’’شرطة زاهية ويد امينة.. تعطي لى الناس السكينة.. فلتعيش الشرطة تحيا’’.. لا احد يا بابكر احمد الحسين واسامة احمد ابراهيم وهاشم علي عبد الرحيم.