حتى زمانٍ قريب، كان انتقاد الشيوخ والعلماء والأئمة، من الكبائر، وعظائم المحرمات.. كيف لا ونحن في بلاد أخافت وأرهبت الناس منذ عقود، “بالشريعة” اللفظية وليست الجوهرية.. وهكذا، دُرس التلاميذ والطلاب في أولى مراحلهم الدراسية، أن الإساءة لأحد علماء الدين، قد تُحدث على المرء هلاكاً وسخطاً مخفياً، فنشأ الصغار وهم يقدسون “عالم الدين” وينفذون فتواه دون مجادلة أو أخذٍ ورد.. لكن دوام الحال من المحال، إذ تلاشى التقديس، وانهار التوقير، وذاب الحاجز الذي كان موضوعاً.
لم يحدث ذلك صدفة، أو وليد لحظة، إنما عملٌ متراكم، يتحمل الشيوخ ما وصل إليه الحال تجاههم..!
ذكرتني “خطبة” الشيخ عبد الحي يوسف يوم الجمعة، بخطبة ألقاها “محمد علي الجزولي” قبل عام أو يزيد قليلاً.
كتبت حينها بأسى ما كتبت، لكننا كنا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار..!
أذكر أن الجزولي استغل بعض خطبه لشتم الزملاء الصحفيين، وأنه في مرة كان يروج في وسائل التواصل الاجتماعي لخطبة مرتقبة عن الصديقة شمائل النور، ليكيل إليها من الشتائم ويحرض ضدها المصلين، فقط لأنها كتبت رأياً في مساحة عمود!
وقبل يومين، يتحدث عبد الحي في خطبته عن قناة “طيبة الفضائية”.. ملكيتها وعلاقته بها، يشرح ويفسر ما تردد عن المبالغ المدفوعة من قِبَل الرئيس المخلوع للقناة وعن الإدارة التنفيذية والمالية.. ما دخل خطبة الجمعة “المُقدسة” بهذه الأمور يا شيخ عبد الحي؟
ألم يكن ممكناً أن تعقد مؤتمراً صحفياً لتوضيح الحقائق، والرد على الاستفسارات؟ أكان صعباً إجراء “لايف” على فيس بوك، أو قبول حوار صحفي من “كومة الطلبات” المقدمة إليك؟
لماذا يتداخل الخاص مع العام، عند كثير من الشيوخ للرد على خصومهم أو المخالفين لهم؟
أليس منبر الجمعة، مقدساً لمواضيع بعينها، يبتعد فيه الإمام عما هو شخصي ويتحدث عما هو عام؟
لكن مع ذلك، لفت نظري توضيحات عبد الحي، أن الرئيس المعزول لم يُعفِ قناة طيبة من الرسوم، لكنه دفعها! لماذا يدفع البشير لقناة طيبة رسومها دون سائر القنوات، وأين العدالة في ذلك؟
يتهم عبد الحي جهات لم يسمها بالوقوف وراء حملة تشويه صورته، لكن في الحقيقة ليس عبد الحي وحده من باتت صورته مشوهة إنما كثير علماء الدين! إننا نتمنى في هذا العهد، أن لا تتشوه أكثر، ونرجو من الله أن يظهر لدينا علماء أجلاء كُثر يشعر تجاههم الشارع بالود والمحبة وكثير من التوقير!