الاتفاق الذي توصلت إليه قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري فجر الأربعاء الماضي، وجد معارضة من قبل بعض مكوناتها، حيث أبدت الجبهة الثورية المنضوية تحت لواء مكون نداء السودان، تحفظات عليه ما دفع وفد من قوى الحرية والتغيير للتوجه نحو إثيوبيا والانخراط في اجتماعات مكثفة بغية التوصل إلى تفاهمات حول تحفظات الجبهة الثورية، وتضمين ملاحظاتها على الاتفاق السياسي لتفاديها في الوثيقة الدستورية، ومن خضم الاجتماعات الدائرة هناك، بصورة مفاجئة أعلن مكون نداء السودان اعتماد رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير كمرشح لشغل منصب رئيس الوزراء في حكومة الفترة الانتقالية .
لماذا الدقير ؟
اعتماد اسم الدقير فتح الباب لمعرفة مقدرته على منافسة الأسماء المرشحة للمنصب وفقاً لمطلوبات الفترة الانتقالية والتي يقف على رأسها الخبير الاقتصادي د.عبد الله حمدوك. وأشار مصدر مقرب من تحالف نداء السودان إلى أن الدفع بالدقير جاء بعد تمحيص كبير في عدد من الأسماء المطروحة داخل النداء وجد أن أفضل ما يمكن أن يقدم هو رئيس حزب المؤتمر السوداني في منصب رئيس الوزراء حيث كان الرأي أنه منصب يتواءم وخصائص الدقير ومقدراته السياسية التي لا خلاف حولها والتي ستسهل عليه إدارة الفترة الانتقالية في شقها السياسي رغم التعقيدات التي ستواجهه بالإضافة إلى صفة التسامح التي أكسبته قبولاً سياسياً لدى غالبية القوى السياسية المختلفة مع الرجل ومواقفه وأخيراً مقدرته في الإدارة للشأن العام مستنداً على خبرته منذ أن كان عضوًا بالتجمع النقابي إبان دراسته بجامعة الخرطوم، فضلاً عن عمله في إطار تخصصه كمهندس تنقل وعمل بعدد من الوحدات داخل السودان وخارجه .
موانع أولية
اتفاق الخامس من يوليو الذي تلاه الوسيط الإفريقي محمد الحسن ولد لبات مبعوث الاتحاد الإفريقي أشار إلى تشكيل مجلس للوزراء وصفه كما اتفق الطرفان بأن يتكون بحسب الاتفاق الأولي بين قوى الحرية والمجلس العسكري من كفاءات وطنية مستقلة، وهو نص ما يزال مبهماً ولم يتم اعتماده بشكل نهائي وفقاً لمصدر طلب عدم الكشف عن اسمه خلال حديثه لـ(السوداني) أمس، بقوله إن الشروط التي تمت مناقشتها داخل اجتماعات كورنثيا إذا ما تم اعتمادها في الوثيقة الدستورية بذات نصوصها والشروط التي أعلن عنها الوسيط الإفريقي لبات فلن يكون بمقدور الدقير الظفر بمنصب رئيس الوزراء، إلا في حالة تعديل الشروط بشكل يسمح بتعيين شخصيات ذات خلفية حزبية، ويؤكد المصدر أن حظوظ الدقير تبدو ضئيلة خصوصاً وأن اعتماده حتى الآن لا يعرف أن كان من قبل مكونات نداء السودان بالداخل، أم أنه معتمد من قبل جميع مكونات نداء السودان في الداخل والخارج بما فيها الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي .
حمدوك الأقرب
الشروط التي تلاها المبعوث الإفريقي يومها تطابقت وسيرة مرشح تجمع المهنيين السودانيين الدكتور عبد الله حمدوك الذي أكد أمس الأول جاهزيته لتولي أي منصب يوكل إليه نافياً رفضه العمل لخدمة بلاده، بعدما أشارت تقارير صحفية بأن الرجل قدم اعتذارًا عن تولي منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية المزمع تشكيل طاقمها بعد إجازة الوثيقة الدستورية بالتوقيع عليها من قبل الطرفين في مقابل تأكيدات من داخل قوى الحرية والتغيير (قحت) بأن الرجل يحظى بإجماع غالبية الكتل المكونة إلا أنه إجماع ما يزال مع إيقاف التنفيذ لجهة عدم تقديم بقية الكتل لمرشحيها للنظر والتمحيص واتفاقها عليه رغماً عن وجود لجنة. ويشير المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ في حديثة لـ(السوداني) إلى أن ترشيح منصب رئيس الوزراء ، يعتمد على الكتل الخمس داخل (قحت) التي تقوم بالتصويت على الأسماء المطروحة لشغل منصب الرئيس، مضيفاً يبدو أن التجمع حسم أمر مرشحه وحصره في شخص حمدوك، ما يعني حصوله على صوت التجمع، مقابل صوت نداء السودان الذي سيكون في صالح الدقير، ما يعني أن الأمر سيحسم بأصوات الكتل الثلاث المتبقية في التحالف إن لم تدفع هي الأخرى بمرشحين لمنصب الرئيس، مؤكداً أن الاختيار في النهاية قد يخضع للتصويت في حالة عدم التوافق على شخصية بعينها .
ليس الدقير
ثمة فرضية على أن الزمن تجاوز الكفاءات بدون خلفيات سياسية حيث يتطلب الواقع الحالي توفر صفة المعرفة والوعي السياسي جنباً إلى جنب مع الكفاءة لإحداث اختراق مطلوب خلال الفترة الانتقالية التي تواجه بتحديات سياسية على رأسها إحلال السلام، ورسم العلاقة الخارجية بما يحقق مصلحة الشعب بالإضافة إلى المقدرة على مخاطبة الداخل المتصدع، وهي كلها في حاجة إلى شخص يمتلك رؤية سياسية لكنه ليس الدقير بأي حال كما يقول المحلل السياسي د.عبده مختار في حديثه لـ(السوداني) ويضيف أنه قادم بخلفية حزبية ما يهدد الفترة الانتقالية من خطر المشاكسات والعراقيل التي تتطلب شخصاً دون انتماءات ليكون قادراً على استنفار المؤسسات ويحظى بدعم الشارع كله دون اعتراضات بسبب المنطلق السياسي، مؤكدأ أن حمدوك يحتكم على سيرة تعيينه في إحداث الاختراق المطلوب وتحريك جمود الاقتصاد وجذب استثمارات حقيقية بالإضافة إلى ما يمكن أن يحققه في ملف ديون السودان الخارجية ورسم سياسات واضحة على مستوى إدارة الشأن العام بناء على خبرات الرجل في العمل العام وعلاقاته الدولية وهذه كلها أشياء لا تبدو متوفرة لدى مرشح نداء السودان، مشيرًا إلى أهمية فتح الخيارات لمنصب رئيس الوزراء، وعدم حصره في شخصي الدقير وحمدوك، وإنما البحث عن شخص يجمع بين الرؤية السياسية المحايدة والإدارة والخبرة الاقتصادية ، حتى يتسنى الاستفادة من حمدوك في حقيبة وزارية كالخارجية أو وزارة المالية .