ما يثير القلق في معركة ذات المناهج ، ليس قرار السيد رئيس الوزراء بتجميد منهاج كتاب التاريخ وتكوين لجنة لمراجعته ، ولا استقالة مدير المناهج د. القراي ، بداية لابد من التنبيه الى ان هذه المعركة المفتعلة ليست من الاولويات العاجلة ، فهناك من الاولويات والمخاطر التي تهدد كيان الدولة نفسه ما وجب ان يشغل الجميع، ويثار الغبار من كل فج عميق لاثارة الرأي العام حول معركة في غير معترك، القوات المسلحة استعادت اراضي سودانية محتلة من اثيوبيا بمساحات دول من حولنا، ولا زالت التحشدات الاثيوبية على الحدود ، وانباء عن مساندة اريترية للجيش الاثيوبي لاستئناف القتال ، هذا الوضع الخطير لم يجد من الاهتمام ، مثل ما وجده كتاب التاريخ للصف السادس ، وهناك تحديات تشكيل الحكومة والمجلس التشريعي وتنفيذ اتفاقية السلام وصعوبات ومشاكل تواجه هذه الاتفاقية في المسارات وفي كيفية تحويل الولايات لاقاليم ، اضافة للوضع الاقتصادي المتدهور ، وهشاشة الاوضاع الامنية ، كل هذا لا يجد اي اهتمام ، وتقوم الدنيا ولا تقعد في قرار بمراجعة الكتاب.
الكتاب موضوع المعركة أقر وزير التعليم بضعف فيه ، وللاسف قال ان ما ساقه لهذا الاكتشاف هو الفضول، وليس مسؤوليته عن ادارة المناهج ، هذا كتاب من جملة حوالي (140) كتاب في المنهاج (القديم ) لمرحلة الاساس فقط ، وحوالي (80) كتاب للمرحلة الثانوية بمساقاتها العلمي والادبي والفني ، فضلاً عن آلاف الكتب والمراجع للجامعات والمعاهد العليا ( أيضاً تحتوي على دراسات اسلامية وتاريخية ) ، بل ولعل أخطر المناهج تدرس في الجامعات تحت مسمى (الثقافة الاسلامية) للصفين الاوائل في كل الجامعات السودانية،
قرار السيد رئيس الوزراء بتجميد المنهج بغرض التنقيح ليس الغاءً للمنهج برمته ، هذا قرار دستوري سليم مائة في المائة ، وليس تجاوزاً للوزير ، فالأصل وحسب ما تم التوافق عليه ، فاختيار الوزراء من حق رئيس الوزراء ( يختار من قائمة ترشحها الحرية والتغيير) ، ولذلك فسلطات الوزير مفوضة من رئيس الوزراء، وصلاحياته وفقاً للمرسوم رقم ( 74) والذي حدد مهام الوزارات واختصاص الوزراء لم تنتقص ، والقراي نفسه دفع بالاستقالة لرئيس الوزراء بواسطة الوزير.
من جانبي أحيي الدكتور القراي بغض النظر عن موضوعية ومبدئية استقالته ، وعلى الاقل لديه الشجاعة للاستقالة دفاعاً عن وجهة نظره ، وعدم تشبثه بالكرسي، ولعله اول مسؤول في منصب كبير يستقيل في الفترة الانتقالية ، وهذه تحمد له ، وكان يمكنه الاعتذار عن الاستمرار في المنصب ولكنه دفع باستقالة مسببة ، وهذا سنعود له لاحقاً ، اما السيد الوزير فبدلاً من تكوين لجنة تحقيق لتبت في امر الكتاب ، طلب ايضاحات من رئيس الوزراء ، وهو وضع معكوس ، الوزير ان كان عليه ذلك ، فاما ان يستقيل ، او يقبل بقرار السيد رئيس الوزراء.
الغائب الأكبر في هذه المعمعة هي قوى الحرية والتغيير، غابت عن اتفاقية السلام ، وغابت في الوضع الاقتصادي وفشلت لجنتها الاقتصادية في اقناع الحكومة بوجهة نظرها ، وغابت قحت عن ملف العلاقات الخارجية ، فتم التطبيع بعد ان رفضته وسكتت ، وغابت عن ملف سد النهضة ، وغابت عن معركة الجيش السوداني (لتحرير الفشقة) مع اثيوبيا واريتريا ، وغائبة عن الاوضاع في ليبيا ، ولا تعلم بوجود قوات سودانية محاربة في اليمن وليبيا، أين لجنة التعليم التي كونها المجلس المركزي للحرية والتغيير ؟ بل اين قوى الحرية والتغيير من كل المشاكل التي تعصف بالبلاد؟ ستظل (قوى الحرية والتغيير تنبح والجمل ماشي) ، الى ان تتجرأ على استعدال رقبة الجمل ، أو ان تعدل رقبتها، والسيف اصدق انباءً من الكتب ، مع الاسف هناك يتآمر لازاحة حمدوك بذرائع شتى، وموضوع القراي لن يكون الاخير في سلسلة السيناريوهات ، هناك من شرع في البحث عن بديل لحمدوك ، وهناك من قدم نفسه بديلاً، يتم هذا مع جهات خارجية تحلم بالسيطرة على البلاد عبر دمى تحركها ، ونقول لهؤلاء هناك طريق واحد تعلمونه هو اقناع الارادة السياسية التي اتت بحمدوك، ولستم بمقنعيها ولن تستطيعوا، اخجلوا .. يا هؤلاء !