لا أخال أن أحداً يخفى عليه ما تمر به البلاد من مأزق خطير، وتردٍ مُزر للأوضاع السياسية، وحالة الهشاشة الأمنية، والانهيار الاقتصادي الذي ما فتئ شبحُه يهدد أمننا القومي، على نحو يجعل البلاد كلها تقف على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أية لحظة، مما يحتم على الجميع الاصطفاف نحو هدف واحد وهو العبور بالوطن من مأزق الانهيار الشامل إلى بر الأمان، وتحقيق السلام الشامل وعودة الحياة إلى طبيعتها في مناطق اللاجئين والنازحين.
حالة الوطن أعلاه تبدو أشبه بحالة مرضية مستعصية تم تشخيصها بدقة، وحدد الطبيب وصفة الدواء… وما معايير اختيار حكومة الكفاءات إلا تلك الوصفة الدوائية لإنقاذ الوطن المأزوم من المأزق والخروج به من غرفة الإنعاش إلى العناية الوسطى لتلقي جرعات العلاج من أجل التعافي التام.. والوضع الآن لا يحتمل المماحكات والصراع السياسي بوجهه التقليدي القبيح ودوافعه الخبيثة، لأن الأرضية التي سيقف عليها المصطرعون أرضية هشة لا تقوى على صراع الديناصورات والأفيال الذي تحركه المصالح الشخصية والحزبية.
في رأيي المعارضة لأي نظام حكم أمر ضروري وفي غاية الأهمية، وأذكر في آخر مرة تم فيها استدعائي لجهاز أمن النظام المخلوع وبعد ثماني ساعات من الاحتجاز بالاستقبال، استهلّ الضابط الذي تولى التحري معي حديثه بالقول: (واضح جداً من كتاباتك إنك بتقود خط معارض للحكومة)، قلتُ: (وما البأس في ذلك، وهل المعارضة جريمة؟) وزدتُ: أنا مفهومي للمعارضة يختلف عن فهمك لها، فهي عندي مثل الحكومة تماماً من حيث الأهمية والمسؤولية، وهي واحدة من أهم معادلات (الحكم) وأية حكومة لا بد أن توازيها معارضة، ومعارضة اليوم ستصبح غداً الحكومة، وحكومة اليوم ستتحول إلى مقعد المعارضة، لذلك هي ليست جريمة بل هي ضرورة..
بذات المفهوم والموضوعية سيظل رأينا كما هو في ضرورة وجود معارضة مسؤولة تضع سلامة الوطن وأمنه واستقراره في قائمة أولوياتها، ولا تقل مسؤولياتها عن الحكومة، ومثلما اتفق السودانيون على مواصفات ومعايير محددة للحكومة المقبلة وسموها حكومة الكفاءات، يجب أن تكون هناك أيضاً مواصفات ومعايير محددة وضوابط للمعارضة… وسيسوءنا إن رأينا مجموعة أشخاص متهمين بجرائم قتل ونهب وسرقة يرفعون لافتة المعارضة من أجل زعزعة الاستقرار بهدف الإفلات من العقوبة ويخدعون البسطاء ويستقطبونهم، مثل الذي يرتكب جريمة كبرى ثم يذهب ليلتحق بحركة مسلحة، وتحت هذه اللافتة يسمي نفسه مناضلاً… نتطلع إلى معارضة لا تسوِّق نفسها بخطابات الكراهية والعنصرية والجهوية والقبلية وتمارس الابتزاز تحت مظلة التهميش.. نطمع في معارضة مسؤولة تراقب أداء الحكومة وتصوِّب نقدها للسياسات والقرارات الخاطئة، وتلتقي مع الصحافة الحرة والبرلمان في المراقبة والنقد وكشف الأخطاء الحكومية.. نريد معارضة كفاءات أيضاً وليس معارضة مماحكات وصراع حزبي ينغمس في المصالح الذاتية.. الـلهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الـله، وثق أنه يراك في كل حين.