من اطرف ما قرأت ايام قطع خدمة الانتزنت ..ما كتبه احد اصدقاء الاسفير ..اننا رجعنا قرونا الى الوراء .. الى عهد (العنعنة) والرواة الثقاة …وغير الثقاة و الذين لا يعتمد لهم حديث ..كنت خارج البلاد ..وكانت الاخبار التي ترشح من الوطن في ذلك الوقت على قلتها ..غالبا ما يعقبها النفي او يحدث لها بعض التعديل.. لذلك كنت ابحث عن اكثر من مصدر للخبر قبل ان اعتمده . في ذلك الوقت بالذات انتشرت مقالات ومقولات تنسب لما يسمى (مصدر موثوق) ..فتعتمد حديثه بناء على تلك الثقة التي منحها له ناقل الحديث ..دون الانتباه الى ان الحديث تنقل بين اكثر من حائط اسفيري قبل ان يحط رحاله على هاتفك ..فتلاحظ ان ذات المصدر الموثوق تختلف تصريحاته باختلاف الرواة ..والناقلين .. حينها تعتريك حيرة فهل هو ذات المصدر الموثوق ؟ ..ام مجرد (تشابه أسماء؟)
ايام العزلة الاجبارية ..كنا نتلقى الخبر من المصدر الموثوق ..ونتتبعه من حيث طريق الرواية ..تجدنا نتساءل عن المصدر الناقل ..هل تعرفه ؟ هل سمعت عنه اي رواية غير صادقة ؟ هل يخوض في كل الامور ام تراه ينتقى اخبار معينة ؟ ومن ثم تجدنا نتفحص المتن …هل هي اخبار توافق المنطق ؟ (رغم ان الذي يحدث كله لا علاقة للمنطق به) ..ام تراها اخبار مشتولة القصد منها البلبلة واثارة الفتن وخلق ضبابية تفيد ذوي الغرض…على سبيل المثال ..تقرأ على لسان احداهن (صاحبتي ..جارتها قالت ليها ..كانت بت خالتها واقفة في صف العيش ..سمعت واحد بيتكلم مع صاحبه في التلفون ..بقول ليهو كذا وكذا ) ..لاحظ كيف سيتم تتبع هذا الخبر الى اصوله ومن ثم محاولة معرفة مصداقيته من عدمها ..الطريف ان ذلك الذي يتحدث في صف العيش …يحكي اسرارا من الاهمية بمكان ..فلا نتساءل كيف يمكن لهكذا امور ان تخرج وتسير بين الناس في الأسواق عادي كدا ….ايييه دنيا ..تلك ايام (الله لا عادها ) باع فينا (المصدر الموثوق ) واشترى.
راسلني احدهم مستفسرا عن الوضع الراهن (وقد كان يظن بي خيرا ويعتقد انني ربما بحكم الكتابة الصحفية اعرف بعض الذي يدور خلف الكواليس )..اعتذرت بأنني لا اعرف اكثر من الذي يعرفه وانني اتلقى الاخبار كبقية خلق الله في السودان ..فارسل الى وجوها ضاحكة قائلا (على الأقل مصادرك موثوقة ) ..فضحكت بدوري وقلت له مصادري مضمونة وهي اخت الموثوقة ولكن الأب مختلف …وهذه العائلة (موثوق ومضمون ) لا علاقة لها باسرة (منقول) ..وكل من يدعي غير ذلك فهو كذاب أشر ولا يؤخذ براويته مهما حدث.
الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم ..عن احتمالية اعادة قطع الانترنت ..وان هناك طعنا قانونيا تقدم به المجلس العسكري ليستأنف القرار القضائي الذي أعاد خدمة النت ..يبدو ان القوم لا يزالون في ضلالهم القديم ..وكنا نعتقد ان الرسالة قد وصلت بعد خروج الملايين في 30 يونيو رغم انقطاع الخدمة ..وتعثر التواصل ..خرج الملايين رغم الحصار .. (شارعنا دا فوقو الشرا ..ثورتنا دي ما بتقدرا ).. الحمد لله فقد نما الى علمنا ان ذات المصادر عادت ونقلت خبر سحب الاستئناف وان النت باق والانباء التي تم تداولها (عارية من الصحة )..والموضوع طلع كلو (اوشاعات ..اوشاعات).
بعد عودة الانترنت …شرعت في السخرية من المصادر الموثوقة …وصرت ألقى بالنكات هنا وهناك عنها ..لكني بعد رشح الاخبار أعلاه ..قلت في نفسي (ما بعيدة يعملوها ويقولوا ليك مهدد للامن الوطني وايه مش عارف ايه ) ..بصراحة توجست خيفة خاصة ان الاتفاق يعطي العسكر الفترة الأولى في المرحلة لانتقالية .. ..ربما يعاودهم الحنين و تراودهم انفسهم على قطع الانترنت مرة اخرى ..لذلك لا اخفيكم سرا فقد فكرت في تدبيج خطبة اعتذار بليغة للمصادر الموثوقة اذا عادت الى سطوتها ..اذ يبدو انني فعلت كما ذلك الراعي الذي غشته موجة دفء في عز الشتاء فتخلص من ثوبه الذي كان يتدثر به ..فاذا ببرد قارس اشد واقسى من ذلك الذي مضى ..جعله يعض أصابعه من الندم ..لذلك اصدقائي ..تحسبا لما لا يحمد عقباه ..دعونا نثبت حقيقة ..ان المصادر الموثوقة ..ما قصرت معانا ..رغم انها اخرجت لنا شئ واخفت عنا أشياء ..(ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم ) ..بناء عليه يا اصدقاء ..الذي رزقه المولى بمصدر موثوق ..فليحمد الله كثيرا وليحافظ عليه ولا يفرط فيه البتة ربما نحتاجهم مرة اخرى ..دنيا العسكر ما مضمونة ..وانقطاع الانترنت موحش ..والله يكضب الشينة .