صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مستشفى كسلا .. الغرق في بحر الإهمال

18

 

يعيش مواطن ولاية كسلا هذه الأيام، أزمات صحية وبيئية واسعة النطاق ودوامة الخوف والقلق عند زيارة أي مرفق علاجي حكومي نتيجة للقصور الواضح وتردي البيئة والخدمات والأوضاع، وذلك بعد أن ظلت المرافق في المستشفيات الحكومية منسية وغارقة في بحار الفشل الإداري، وأصبح الإهمال واللا مبالاة سيدي الموقف والصفات البارزة في التعامل اليومي بين المرضى والعاملين داخل الوحدات العلاجية.

* خارج السيطرة
واستغرب قطاع عريض من المواطنين في حديثهم لـ(آخر لحظة) استمرار تردي الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية على الرغم من اعتماد الميزانيات المالية الكفيلة بتطوير الخدمات الطبية والصحية والعلاجية والوقائية، مطالبين وزارتي الصحة الاتحادية ووزارة المالية إيضاح أسباب تردي الخدمات الصحية وانتشار الأوبئة وأصبح الوضع خارج نطاق السيطرة في المستشفيات الحكومية، مما يفاقم صعوبة الوصول إلى خدمات صحية أفضل لمواطن الولاية الذي أصبح ضحية الإهمال واللا مبالاة في العملية العلاجية. أثناء تجوال الصحيفة داخل المستشفى في بعض أقسام وعنابر المستشفى التعليمي للوقوف على الوضع ورصد جوانب القصور، ألتقت الصحيفة من خلال الجولة ببعض العاملين والممرضين الذين عبّروا عن استيائهم من مستوى النظافة ونقص الاختصاصيين في العديد من الأقسام، لا سيما قسم الحوادث والأنف والأذن والحنجرة والباطنية.
* فشل الخدمات
المواطن هارون شعيب أبدى استياءه وغضبه من واقع المستشفى خلال مستوى النظافة والتعقيم داخل العنابر، إضافة إلى انتشار الذباب والبعوض ببعض أقسام المستشفى، حيث يرى (هارون) أن الوضع الصحي بالمستشفى التعليمى يسير من فشل في الخدمات إلى انعدام تام للحياة الصحية والعملية العلاجية، ذلك لأن الكوادر الطبية والتمريضية تعاني من نقص وعدم وجود كفاءات، والأجهزة محدودة، إضافة إلى أن السعة الاستيعابية غير قادرة على التماشي مع الزيادات المطردة بالتعداد السكاني للولاية على الرغم من التوسعات الجديدة بمباني المستشفى، ويواصل هارون حديثه للصحيفة أن الواقع الذي يجدونه يبين مدى الإهمال والتردي فى مستوى الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية سواء من حيث عدد الأَسِرَّة بالأقسام العلاجية، أو لعدم كفاءة هيئة التمريض، أو لإهمال الأطباء وتقاعسهم، أو لعطل الأجهزة، إلى غير ذلك الكثير من أوجه القصور والإهمال، وأشار إلى أن الإهمال يسيطر على العديد من المستشفيات العامة والمراكز الصحية بالولاية ومحلياتها المختلفة من حيث مستوى النظافة وقصور الخدمة وعجز في عدد الكوادر الطبية المؤهلة، إضافة إلى عدم توفر الأدوية وكل ما يسهم في توفير سبل الراحة للمريض والشخص المرافق داخل الوحدات العلاجية والمستشفيات، وذهب إلى أن جميع أقسام المستشفى تعاني من الإهمال الجسيم وتدني في مستوى الخدمات المقدمة للمرضى، وعلى سبيل المثال: قسم الطوارئ والحوادث.
* العناية المكثفة بحاجة إلى عناية
أحد مرافقي المرضى قال إن شقيقه أحضر إلى قسم العناية المكثفة بحادث مروري، ظل لأكثر من أسبوع يعاني في شتى الأمور من الروائح الكريهة المنبعثة، عنابر العناية المكثفة، انقطاع المياه عن العنبر والانتشار الكثيف للذباب نهاراً وجيوش البعوض ليلاً، الأمر الذي كلفهم مبالغ طائلة في شراء طارد البعوض ومعطرات الجو، وأضاف قائلاً: كيف يكون الحال في عنبر تنعدم فيه المياه حتى للكوادر الطبية التي تحتاج لغسل الأيدي، ناهيك عن استخدام دورات المياه المتعطلة عن العمل لانعدام الماء وسوء الاستخدام، ويواصل حديثه ويقول إن غرفة العناية المكثفة بالمستشفى تحتاج لعناية مكثفة من قبل إدارة المستشفى، لأنها أصبحت شبحاً غريباً وبيئة كئيبة ليس للمرضى وحدهم، بل حتى أهل المريض، وكذلك العاملين بها من أطباء وكوادر طبية والممرضين.
* كوادر التمريض
وعند الذهاب إلى عنابر الباطنية قالت إحدى المريضات إن كوادر التمريض لا تأتي إليهم أحياناً إلا إذا طرقوا بابهم، وحتى وضع المحاليل يذهبون إليهم للقيام بتعليقها للمرضى ولا يوجد تطهير للأرضيات رغم أنه أساسي فى مستشفى تعالج سكان مدينة بحجم ولاية كسلا، وبحاجة إلى تطهير دائم ناهيك عن الأسرَّة المقززة التي ينام عليها المرضى، والتي لا تصلح حتى في حمل (الموتى)، ناهيك أن تكون مكاناً ينام عليه إنسان، وللأسف المرضى لا يوجد طبيب ولا حتى ممرضة يمرون عليهم كأنهم يعيشون وحدهم ويداوون بعضهم رغم أن المستشفى به بعض الكوادر.
* قسم الأطفال والإهمال الإداري
الأمر عند قسم الأطفال يعكس مدى زيف السلطات الصحية بالولاية التي ظلت وعلى مر الأيام تتباهى بالخدمات الجيدة وتوطين العلاج، ولكن كل هذه الأمور يكذبها الواقع، في عنبر الأطفال وجدنا المرضى والمرافقين يواجهون العديد من المصاعب والمتاعب داخل المستشفى، مؤكدين أن الإهمال طال حتى الأقسام الحيوية بالمستشفى وخصوصاً قسم الأطفال، حيث قال المواطن آدم مصطفى إن عنبر الأطفال يعاني من قلة الأسرَّة داخل الغرف، وأعرب عن تذمره من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة داخل الغرف، مع تذبذب التيار الكهربائي المستمر، وهذا الأمر جعل أولياء أمور المرضى الأطفال بالهروب بهم إلى ظلال الأشجار بالمستشفى أو مغادرة المستشفى قبل استكمال العلاج اللازم بسبب تكدس العنابر وحرارة الجو الخانق، وأشار عدد كبير من مرافقي المرضى بقسم الأطفال إلى أن عنبر الأطفال يعاني من قلة الأطباء والممرضين، وأضافوا أن مناوبات الأطباء لا تتوفر على مدار الساعة، وكشفوا عن رداءة دورات المياه وعدم توفر النظافة داخلها، مشيرين إلى تراكم الأوساخ بشكل مستمر.
* وضع كارثي
أحد الكوادر الطبية تحدث بمرارة عن الحال وشظف الواقع الذي وصل إليه المستشفى، حيث قال إن الوضع فى المستشفى كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معاني، فلا يوجد الاختصاصيون بصفة دائمة بالمستشفى، وأغلبهم يعملون في عياداتهم الخارجية ولا يرونهم إلا أياماً معدودة مما يضطرهم في بعض الأحيان إلى نصح المرضى بالسفر إلى الخرطوم، لتلقي العلاج، ويؤكد حديثه ويقول إن المستشفى تعاني نقصاً حاداً فى مياه الشرب والأدوية والمستلزمات الطبية البسيطة التي يتم استخدامها بشكل يومي كالمسكنات وأدوية الاستنشاق وضيق الصدر، جهاز شفط السوائل من الصدر، بالإضافة إلى جهاز الأشعة المقطعية الحديث.
* الإهمال والنسيان
يقول المواطن أوشيك أحد مرافقي المرضى، إن مستشفى كسلا التعليمي يغرق في بحار الإهمال الوضعي والنسيان في شتى المجالات، رغم أنه ممنوع وجود الأطفال في مستشفيات الحميات بالذات خوفاً من انتقال العدوى، إلا أن الأطفال يرتعون داخلها وكل مرافق لمريض يصطحب معه أطفاله وكامل أفراد الأسرة بعتادهم من معدات الطبخ والقهوة، حيث تجدهم مكتظين في ظلال الأشجار، ومنظر المستشفى بالداخل لا ترى شيئاً إلا مشاهدة أكوام القمامة ومخلفات الحقن والدربات أمام العنابر وتنتشر فى كل أرجاء المستشفى، وهذا دليل واضح على أن الإهمال موجود طوال الوقت، وتساءل قائلاً: إلى متى يظل إنسان الولاية ظليل وقليل الحيلة والحياة الكريمة بهذا الشكل الذي يعامل به في المرافق الصحية، فالوضع فاق حدود الإهمال وتجاهل المرضى بالمستشفى التعليمي، فمتى يتدخل والي الولاية المكلف، اللواء ركن محمود بابكر وهو أحد أبناء الولاية، لحل مشكلات المستشفى المستعصية والمستدامة بسبب سوء الإدارة وضعف قدرة ترتيب الأولويات وغياب الرؤية الحقيقية للبناء الصحي. وختم حديثه بالقول إن ما وجدوه وعايشوه داخل مستشفى كسلا التعليمي، يصلح لأن تكون المستشفى (مقبرة) للفقراء وأصحاب الحاجات الخاصة، وليس مستشفى يذهب إليها المرضى طلباً للشفاء، ذلك لأن المستشفى مليئة ومكتظة بمئات الروايات والقصص المأساوية التي تختلط فيها دموع الحسرة والألم مع آهات المرض وأنين المرضى، حيث الكل هناك في الانتظار على قارعة الطريق المجهول في بحار الإهمال الجارف للحياة الأبدية بعدما أصبح المستشفى طريقاً رئيسياً وممراً دائماً لها.

آخر لحظة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد