من الأخبار المشجعة في هذه الأيام المتوترة.. نبأ وصول الأستاذ ياسر عرمان قريباً إلى الخرطوم على رأس وفد أطلق عليه (حسن النوايا)..
أسعدني جداً هذا الخبر لأنه يتجاوز كثيراً معناه المباشر المتصل بعرمان إلى رسالة قوية في كل الاتجاهات.. أول سطر فيها إنه حان وضع البندقية أرضاً ورفع رايات العمل السياسي.. فهي دعوة لكل الحركات المسلحة أن تشرع في ترتيبات العودة للمساهمة في بناء وطن يكفيه أكثر من ستين عاماً من الدماء والحروب..
ياسر عرمان رجل ناضل وبذل عمراً طويلاً بين الأحراش والكهوف.. نختلف معه في الوسيلة ولكنا نقر ونعترف أنه من أجل المبادئ دفع ريعان الشباب النابه.. وحان الآن قطاف هذه السيرة الطويلة لتتحول إلى منصة إلهام سياسي وتنوير للأجيال الشابة حتى يدركوا أن بناء الأوطان له ثمن..
وصول ياسر عرمان سيشجع كثيراً من حاملي السلاح أن يختصروا الطريق، فبدلاً من مواصلة مسلسل المفاوضات في عواصم العالم تحت رعايات آخرين.. سيكون ملفتاً لنظر العالم كله أن يشاهدوا أول جولة تفاوض هنا في قلب الخرطوم أو أية مدينة أخرى سودانية يتفق عليها الجميع.. ومثلما فرحت ساحة الاعتصام بوصول قطار عطبرة ثم ثوار دارفور أمس الأول… ستضج فرحاً بوصول وفود الحركات المسلحة فتستقبلهم الجماهير بأروع أحضان لتطوي بدموع الفرح ليل دموع الفجيعة الطويل..
هي صفحة جديدة من تاريخ السودان، ليتنا نستثمرها في ترسيخ أركان ومفاهيم العيش الكريم تحت ظل سماء وطن واحد.. فسنوات الحرب العجاف أكلت كثيراً من التسامح والمودة السودانية الولوف.. فلنشرع في إعداد برنامج كبير (مشروع مارشال) لاستيعاب كل حملة السلاح من الشباب الذين هم في حاجة فعلية ماسة لحملة إدماج في الحياة المدنية العادية بأعجل ما تسمح به ظروف وطننا الحالية. بل من الممكن الاستعانة بالمؤسسات الدولية المناسبة لتوفير أفضل ظروف لحملة الإدماج.
أتمنى أن نشاهد في الأيام القليلة القادمات أول جلسة حوار مفتوح مع قادة الحركات المسلحة هنا داخل السودان حتى تصبح الثورة ثورتين.. واحدة أطاحت بأسوأ نظام دكتاتوري.. والثانية طوت إلى غير رجعة الحروب الأهلية في السودان..