على كل
محمد عبد القادر
مرحباً بالمنتجات المصرية..!!
لا أعتقد أن هنالك مبرراً للجلبة التي حدثت في أعقاب إعلان الرئيس عمر البشير رفع الحظر عن المنتجات الزراعية والحيوانية المصرية بعد أكثر من عامين.
حينما أوقف السودان استيراد الفواكه والخضروات المصرية لم يكن الناس على علم بأنها تُسقى من ماء الصرف الصحي، ولم يدر بخلد أحد أن منتجات زراعية وحيوانية تملأ الأسواق في ذلك الوقت تحمل سماً زعافاً يهدد صحة المواطنين.
أقدمت الجهات المختصة في السودان وبشجاعة كبيرة على اتخاذ قرارها ذي الطبيعة الفنية البحتة في العشرين من سبتمبر من العام 2016، وأخضعت المنتجات الواردة إلى الفحص الفني المطلوب حرصاً منها على صحة المواطن وإعمالاً لمسؤوليتها في التأكد من صلاحية هذه الواردات إلى السوق السوداني، بلادنا فعلت ذلك بعد تقارير أوقفت بموجبها أمريكا استيراد الفراولة المصرية وتبعتها روسيا واليابان وعدد من الدول الأوروبية والسعودية.
الأسبوع قبل المنصرم كنت في زيارة إلى الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس والتي رأت أن تستعرض لعدد من الزملاء الصحفيين عضلاتها الفنية وأجهزتها المتقدمة، وتطمئن الناس على أن حياتهم في أيد أمينة.
القرار الذي صدر من الرئيس البشير لا أعتقد أنه كان من قبيل المجاملة السياسية أو تطييب الخواطر، وإنما رتبته تطورات كثيرة أهمها القانون الذي صدر في مصر حول سلامة المنتجات الغذائية وما تبعه من إجراءات صارمة، كما أن دولاً أخرى أعادت فتح أبوابها لاستيراد المنتجات المصرية على ضوء ما تحقق من تقدم في هذا الجانب، وفي أعقاب الخسائر التي مني بها الاقتصاد المصري جراء الحديث عن ري منتجات بواسطة مياه الصرف الصحي.
المهم في الأمر أن القرار الرئاسي الخاص بإعادة استيراد المنتجات المصرية لن يغل بالطبع أيدي المواصفات والمقاييس في أعمال الخطوات الفنية اللازمة لدخول الواردات المصرية وفقاً للاشتراطات الفنية المطلوبة.
نعم على المستوى السياسي سمحت الدولة في قمتها بالاستيراد بعد تدبر وتمحيص، ولكن تظل هناك اشتراطات فنية تعنى بها جهات متخصصة تحرس بوابة دخول المنتجات المصرية، هذا الأمر غير قابل للمزايدة عليه.
لا أعتقد أن ملايين السودانيين الذين يزورون مصر للسياحة والعلاج والاستقرار قد اشتكوا من عدم صلاحية الخضروات والفواكه، وليس من المنطق أن نتصالح مع المنتجات المصرية في أرض الكنانة وننتقد دخولها السودان.
أكثر من مليوني سوداني يزورون مصر سنوياً غير المواسم بهدف السياحة والترويح والعلاج، لم نسمع شكوى ولم يحدثنا أحد عن استخدامه منتجات غير مطابقة للاشتراطات الصحية.
كثيراً ما نزور مصر ولا نكاد نستشعر أن هنالك مشكلات صحية مرتبطة بالأغذية بعد موجة الانتقادات العنيفة من قبل الإعلام المصري ومواقف الدول التي قررت إيقاف الاستيراد على ضوء تلكم الحملات.
من يظنون أن مصر المستفيد الأوحد من القرار لم يستصحبوا غلاء أسعار الخضروات والفواكه في السودان، قياساً بقيمتها المتدنية جداً في مصر،
من يصدق أن كيلو الطماطم الذي يباع في السودان بـ 70 جنيهاً ثمنه 3 جنيهات فقط في المحروسة، وأن كيلو العنب الذي وصل إلى 1200 جنيه في بلادنا يباع في مصر بتسعة جنيهات، وأن متوسط سعر الكيلو من كافة الخضروات والفواكه لا يتجاوز الخمسة جنيهات مصري بواقع 12 جنيهاً سودانياً.
بالطبع سيحقق دخول السلع المصرية للسودان الوفرة التي تؤدي إلى انخفاض الأسعار، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
ليبقى الرهان في تحديد صلاحية المنتجات المصرية على المواصفات والمقاييس، الجهة التي بإمكانها أن تحدد مدى سلامة الواردات بعد رفع الحظر، معلوماتي أن المواصفات والمقاييس أكملت استعداداتها للفحص في حلفا وبورتسودان، فمرحباً بالمنتجات المصرية بعد استيفائها الاشتراطات الصحية والفنية المطلوبة.
ما ينبغي أن يجد حظه من الجدل والنقاش والتداول هو حديثنا عن استيراد منتجات زراعية وحيوانية من دولة تزرع في مساحات محدودة وتستصلح الأراضي، بينما مساحاتنا الخصبة )البور البلقع( ما زالت تتمدد بحدود حسرتنا على النيل والأراضي الشاسعة وكل شيء هنا.. ونفشل في توفير قوت يومنا، هذا ما ينبغي أن نراجعه ونتحدث عنه، وحتى يتحقق شعارنا العتيق )نأكل مما نزرع(، مرحباً بالمنتجات المصرية.