شهدت مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور الأسبوع الماضي أحداثاً قبلية طاحنة، أدت الى مقتل أكثر من ٣٩ شخصاً وإصابة العشرات من الطرفين، بسبب شجار وقع بين شخصين مساء الأحد الماضي بسوق روقو روقو، الواقع شرقي المدينة، وبعدها تطورت الأحداث في صباح اليوم الثاني وأثناء تشيع القتلى لمثواهم الأخير بدأت الأحداث تندلع من هنا وهناك، مصحوبة بأعمال عنف وتخريب ونهب وإطلاق نار من كل اتجاه في غياب تام للأجهزة الأمنية. بعد كل ذلك، إن التراشق بالبيانات زاد من حدة التوتر بين الطرفين.
تعزيزات عسكرية:
لكن سرعان ما ساءت الأوضاع الأمنية بالولاية وعمت الفوضى كل الشوارع إلى أن أعلنت حكومة الولاية حظر التجوال داخل المدينة من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة صباحاً لتستقر الأوضاع رويداً رويداً وسط احتقان أهلي كبير، وتم إغلاق جميع الأسواق والمحلات التجارية والطرق الرئيسة، وفي مساء اليوم الثاني وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة من قوات الدعم السريع وفرضت سيطرتها على الولاية مع بعض التحفظات التي أدت الى إغلاق المحالات التجارية وفتح المعابر الرئيسة لاستمرار الحركة. وكانت هذه القوة بمثابة وفد المقدمة لوفد الحكومة المركزية التي وصلت الولاية صباح اليوم الثالث برئاسة نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن محمد حمدان حميدتي ورئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك ومولانا تاج السر الحبر النائب العام والدكتور نصر الدين عبد البارئ وزير العدل بجانب عدد من القيادات للوقوف على حقيقة الأحداث التي اندلعت بغرب دارفور وأدت لعدد كبير من القتلى والمصابين، والتي استمرت لثلاثة أيام متواصلة فور وصول الوفد، دخلوا في اجتماعات مغلقة مع الأجهزة الأمنية مما انعكست على استباب الأمن والاستقرار بكل أرجاء الولاية مع بعض التحفظات التي أمنت على قرار لجنة أمن الولاية باستمرار حظر تجوال المواطنين استمرت الأوضاع على هذا النحو حتى نهاية اليوم الرابع. وفي نهار اليوم الخامس، عزز وفد الحكومة بوفد آخر من الحرية والتغيير برئاسة المهندس عمر الدقير، ودخل هو الآخر في لقاءات رسمية وشعبية، بجانب جلوسه مع مكتب الحرية والتغيير بالولاية فضلاً عن زيارته إلى موقع الأحداث وأسر الشهداء والمصابين من طرفي النزاع، بالإضافة إلى اجتماعات مُغلقة مع الأجهزة الأمنية. وبكل هذه الجهود باتت الأوضاع تنجلي رويداً رويداً مع استمرار اللقاءات من وفدي المركز.
طي صفحة النزاع:
أسفرت جهود اللجنة العليا لأحداث الجنينة التي يترأسها نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن محمد حمدان حميدتي ورئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بعد عدد من اللقاءات المكثفة مع طرفي النزاع بجانب اجتماعات مُغلقة مع الأجهزة الأمنية بالولاية كللت جمعيها بالنجاح ووقع الطرفيان على وثيقة وقف العدائيات وعدم تكرار الأحداث ووقع من القبائل العربية الأميرين حامد الضواي ودبوك والأمير حافظ تاج الدين، فيما وقع من قبيلة المساليت وكيل سلطان دار مساليت الأمير أسعد عبد الرحمن بحرالدين والفرشة صالح أرباب، وسط مشاركة كبيرة من الأجهزة الامنية والشعبية، والتزم الطرفان على عدم تجدد الصراع، وشدد حميدتي على ضرورة الالتزام بالوثيقة وعدم التستر على المجرمين، فضلاً عن اتباع الإجراءات القانونية وتجاوز نظام الديات المتبع في التسويات القبلية مؤكداً أن الدولة عازمة على تعزيز الأمن والاستقرار وفرض هيبتها.
حادثة الطائرة
وبينما لاتزال مدينة الجنينة تلعق جراحها، تفاجأت بحادثة سقوط طائرة الانتنوف في منطقة كرك شرقي مطار الشهيد صبيرة بعد إقلاعها والتي راح ضحيتها (١٨) شخصاً من المدنيين والعسكريين، وسيطر الغموض على معرفة الأسباب الحقيقية وراء انفجارها. البعض يقول إن الطائرة تعرضت لإطلاق نار مما أدى إلى تفجيرها وسقوطها في الحال والبعض الآخر يقول إن الحادث طبيعي وذلك نسبة للحالة الميكانيكية للطائرة، خصوصاً وأنها من طراز قديم.
لكن يظل الوضع قائماً بهذه التكهنات إلى حين رفع تقرير لجنة التحقيق التي كونت من خبراء ومختصين.
حالة نزوح جديدة:
انفجرت الأحداث وخلفت معها العديد من الأزمات أهمها كان نزوح عدد كبير من المواطنين ليستقر بهم الحال داخل المدارس والمؤسسات، في موجة من النزوح فسرها البعض بأنها ادعاء كاذب وأن الأحداث لم تصل لهذا المرحلة وعدد النازحين مبالغ فيه.
الآن الوضع أصبح ملفتاً جداً مع استمرار مراكز الإيواء التي شملت مبنى محلية الجنينة ووزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المالية ومبنى محكمة السلطان الأهلية بجانب العشرات من المدارس داخل الولاية مع المطالب المتكررة بتقديم الخدمات الإنسانية من المنظمات الدولية والإقليمية، لاسيما الخيرين.
رغم الاتفاق الذي تم الآن، استمرار مراكز الإيواء تصل محل تساؤلات كثيرة لأن الاستمرار يعود الى تعطيل العام الدراسي ووقف العمل بالمؤسسات الحكومية المسيطر عليها من قبل النازحين.
عودة الحياة لطبيعتها:
في مساء يوم السبت أعلنت حكومة ولاية غرب دارفور في بيان تحصلت الصحيفة على نسخة منه، أعلنت رفع حظر التجوال وعودة الحياة لطبيعتها واستقرار الأوضاع الأمنية بالولاية وفتح جميع المعابر وطالبت المواطنين بمزاولة أعمالهم وفتح المحلات التجارية مع وجود التعزيزات العسكرية المنتشرة داخل الولاية.
بهذا الاتفاق تطوي ولاية غرب دارفور أحداث الأسبوع الدامية التي هزت كل أرجاء البلاد ويظل التعايش السلمي سمة بين المجتمعات رغم كيد العابثين.