* المجلس الكيزاني العسكري لن يسلم السلطة للشعب مهما حدث، ومهما قدم الناس من تنازلات. أدرك ذلك بنظرته الثاقبة المناضل المرحوم على محمود حسنين، فطلب من قوى الحرية والتغيير أن تمتنع عن التفاوض معه وتعلن حكومتها من الميدان وتستلم السلطة. لم يصدقه أحد حينذاك، واعتقدوا أنه يغالى في رأيه، وأحسنوا الظن بعساكر الكيزان ودخلوا معهم في مفاوضات ظنوا أنها بين شريكين من السهولة أن يتفقا. كنت أحد الذين أحسنوا الظن به ضمن غالبية الشعب.. ولكنني وصلت لاحقا إلى قناعة لا يتسرب إليها الشك أنه عدو.. عدو للشعب وعدو للتغيير، وأنه سرق السلطة ليُبقي الوضع على ما هو عليه.. تتلخص الخطة في أن يذهب البشير وعدد من قيادات الصف الأول من تجار الدين، ويبقى النظام الكيزاني بكل تفاصيله وشخوصه مسيطرًا على كل شيء.. في السياسة والاقتصاد والمال والإعلام والأمن والخدمة المدنية وكل شيء.
* كان ذلك قبل أن يرتكب المجلس جريمة فض الاعتصام وقتل المدنيين العزل، وبعد ارتكابه للجريمة البشعة التى وضعته في مصاف عتاة المجرمين في العالم كالمخلوع (البشير) الذى يواجه تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، فإنه حتمًا لن يسلم السلطة لغيره، ليحمي نفسه من مغبة الجريمة البشعة التي ارتكبها، تمامًا كما فعل المخلوع بالتمسك بالسلطة إلى أن أسقطه الشعب في 11 أبريل بثورة عارمة، اعتقد الكل أن المجلس العسكري انحاز فيها للشعب، ولكن اتضح لاحقًا أن المجلس العسكري خطط لشئ آخر هو سرقة الثورة للإبقاء على النظام القديم.
* فكرة فض الاعتصام نفسها نبعت من أن الاعتصام يجعل الثورة في حالة اشتعال ربما تقود إلى مفاجآت لا يرغب فيها النظام القديم الجديد ومجلسه العسكري الذي يقوم بدور مخلب القط، وبالتالي تقرر فض الاعتصام. اعتقدوا أن العملية سهلة، ويمكن أن تتم بقليل من الخسائر، خاصة أن التقديرات لعدد المعتصمين في منتصف ليلة الثامن والعشرين من رمضان كانت بين (700 – 1000 )، وعلى هذا الأساس اتخذوا قرارهم وأصدروا الأوامر بالاقتحام لقوة متعددة: “على طريقة كفار قريش عندما قرروا قتل الرسول وهو نائم في بيته بمكة، حتى يتفرق دمه بين القبائل ويصعب طلب الثأر من قاتليه”.
* اقتحمت القوة المتعددة ميدان القيادة وهى تظن أنها في نزهة سرعان ما تنتهى، إلا أنها فوجئت ببسالة الثوار والمقاومة المدنية السلمية الكبيرة، ففتحوا النار وأطلقوا الرصاص وحرقوا ودمروا واغتصبوا وارتكبوا أفظع الفظائع.. كان سيناريو آخر مماثلا تمامًا لما حدث في دارفور.. جريمة إبادة جماعية كاملة الأركان.. لذلك قطعوا النت خوفًا من نشر بعض الفيديوهات والمقاطع التى تفضح الجريمة البشعة، وبرروا القطع الجائر بأن النت مهدد للأمن القومى!!
لم يعد في الإمكان بعد ارتكاب هذه الجريمة البشعة أن يسلم المجلس العسكري الكيزاني السلطة لأي كائن من كان، خوفًا من العقاب والملاحقة، خاصة مع الماضي الأسود لبعض أركانه، وارتفاع وتيرة الإدانات من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي ستقود حتمًا في آخر الأمر إلى مجلس الأمن الدولي أو المحكمة الجنائية الدولية. نفس السيناريو الذى واجهه البشير. قد تحمى الصين وروسيا المجلس العسكري بعض الوقت، ولكن لن توفر له الحماية طول الوقت.. فكل ما يحدث بين كبار مجلس الأمن يخضع للمساومات. قد تتنازل دولة لدولة أخرى عن موقف مقابل موقف. هذا ما حدث في إحالة ملف جرائم دارفور بواسطة مجلس الأمن الى المحكمة الجنائية الدولية عوضًا عن إدانة النظام تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن. الآن البشير في حالة انتظار ليعرف مصيره. المجلس العسكري سيدخل في ورطة كبيرة قريبًا إذا لم يسلم البشير الى المحكمة أو يحاكمه على الجرائم التى ارتكبها.. وكون المجلس العسكري ارتكب نفس الجرائم بفض الاعتصام، فإنه سيكون واقعًا تحت ضغطين: ضغط جرائمه وضغط جرائم البشير، بالإضافة إلى الضغوط التى تطالبه بنقل السلطة إلى المدنيين!!
* المجلس العسكري ومن يقف وراءه، في أضعف حالاتهم.. ولكنهم في أقصى حالات عنادهم، ولا سبيل للتعامل معهم سوى إسقاطهم ورميهم في مذبلة التاريخ، ليسافروا مع المخلوع في طائرة واحدة إلى لاهاى!!