تحليل سياسي
محمد لطيف
مجموعة الوطنيين.. انتهت أزمة الدواء !
من النادر أن تتطور الأشياء في السودان تطورا منطقيا.. وأندر من ذلك أن تقود المقدمات إلى ذات النتائج التي يفترض أن تنتهي إليها في ذات الظروف وبذات المعطيات.. ولكن ثمة معجزة قد حدثت.. فحدث ما كان متوقعا أن يحدث.. وما كان يفترض أن يحدث.. ولعل الجميع قد تابع أزمة الدواء.. والتي بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة.. الأزمة التي بلغت من الجنون حد أن البعض قد احتجز الأدوية في مخازنه.. للضغط على الحكومة لإرغامها على الموافقة على إعادة تسعير تلك الأدوية..! وحسب الناس أن.. تجار الدواء.. ولا شك بالغون مرامهم ومحققون مرادهم.. في ظل حالة التكلس التي اعتورت المشهد الدوائي.. ثم الغموض الذي بات يكتنف الموقف.. كانت خلاصة المواقف التي اصطكت عندها الأزمة.. غرفة المستوردين تصعد من موقفها وتتشدد في مطلبها بضرورة مراجعة التسعير.. وإطلاق سقف دولار الدواء ليبلغ ما يبلغ من ارتفاع.. فيرتفع معه سعر الدواء.. ثم ومقرونا مع ذات الموقف رفض القرار الجمهوري بإلغاء الاحتكار.. وفتح الباب أمام كل قادر ليدخل سوق الدواء شريطة الالتزام بالضوابط فحسب.. ثم رفض قاطع لأي حديث عن طرح الأدوية في عطاءات.. من جانبه كان المجلس القومي للأدوية والسموم مدعوما من حكومة رئيس الوزراء معتز موسى متمسكا بموقفه بعدم إعادة التسعير وبالتالي زيادة الأسعار.. مع المضي قدما في إجراءات فتح الباب أمام مستوردين جدد.. وذلك بالتمسك بأن السبيل الوحيد للوصول إلى تسعير حقيقي للأدوية لن يتحقق إلا عبر العطاءات..!
ولكن.. وبعيدا عن كل هذا.. كان ثمة من يدرك أن هذه الأزمة مصنوعة إلى حد بعيد.. وأن ثمة من يمسك بخيوط الأزمة شدا وجذبا.. ولا ينظر أبعد من موطئ قدمه.. أي مصلحته الخاصة.. إذن.. تغيير المشهد كان يحتاج للانتقال إلى خلف المسرح.. أي الكواليس.. وبالفعل بدأ عمل دؤوب ولكنه شاق.. فقد كانت الخيوط متشابكة.. والمصالح متقاطعة.. والمتاريس عالية.. ولكن العزيمة كانت أقوى والانحياز للمصلحة العامة كان أمضى.. ولأن المقدمات كانت كما ذكرنا.. فقد كانت النتائج مذهلة.. وفي الاتجاه الصحيح..!
كانت أولى النتائج وأهمها على الإطلاق.. والمفاجأة المدوية.. وصول طاقم جديد إلى مقاعد غرفة مستوردي الأدوية باتحاد أصحاب العمل.. الطاقم الذي يمكن أن يسمى بطاقم الوطنيين.. لا صلة لهذا الاسم بالمؤتمر الوطني.. ولكنه يصلح تماما كعنوان لسلوك هذه المجموعة لاحقا.. ومواقفهم من أزمة الدواء.. ولأن هذه النتيجة جاءت متسقة مع المقدمات.. فقد كان طبيعيا أن ما يترتب عليها يتسق أيضا ويبدو منطقيا..!
فاجتماع واحد لغرفة مستوردي الأدوية الجديدة مع السيد رئيس الوزراء بحضور الأمين العام لمجلس الأدوية والسموم.. كان كافيا لإعادة عربة الدواء إلى ما خلف حصانها.. لا العكس كما بدا المشهد طوال أسابيع الأزمة..!
مجموعة الوطنيين قررت ابتداء.. ودون أن يطلب منها أحد.. أنها تدرك حرج الموقف الاقتصادي.. وتقدر جهود الدولة للإصلاح.. وإن غرفة الأدوية تعتبر نفسها إضافة لجهود الإصلاح لا خصما عليها.. ثم إنها تدرك أن أمر الدواء ليس محض سلعة تجارية.. بل هو عمل إنساني بالدرجة الأولى.. وأن للمريض حقا مطلقا في الحصول على دوائه ربحوا هم أم خسروا.. عليه.. فإن قرار غرفة مستوردي الأدوية كان هو.. فتح أبواب المخازن ليخرج المخزون من الدواء ويذهب إلى محتاجيه من المرضى.. دون زيادة جنيه واحد.. رئيس الوزراء الذي لم يخف أنه مأخوذ بهذا الموقف الإنساني الذي لم يألفه في سابقيهم.. لم يتردد في الاستجابة لطلب الغرفة بالعودة إلى منصة مجلس الأدوية والسموم للبحث.. سويا.. في أفضل الصيغ لإدارة شأن الدواء.. بلا ضرر أو ضرار..!