صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مجرم عصري

16

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

مجرم عصري


)1(
جاء في أخبار الجريمة بصحيفة )السوداني( أنه قد تم القبض على رئيس عصابة يُدرِّب الأطفال على سرقة الهواتف المحمولة )الموبايلات(. ومن نص الخبر أن الرجل أو )ربما أكثر من رجل(، لم يُقبَضْ عليه وهو يقوم بعملية )نشل( الهواتف، وهذا تدبيرٌ وقائيٌّ يُحسب للشرطة، والواضح أن هذا الرجل )المُجرم( غير عادي، فهو مجرم فاهم وعصري، يدرك أهمية التدريب، فأي صنعة تحتاج إلى تدريب، كما أنه مُجرم مبدع ومُبتكر، فدون شك ليس هناك كتبٌ تتحدث عن كيفية السرقة، وبالتحديد عن كيفية سرق الهواتف، فالإبداع هنا هو: من أين أتى بالمادة التي يدرب هؤلاء الأطفال بها؟ لا شك أنه اختزن التجارب التي رُبّما قام بها بنفسه أو قام بها غيره واستخلص منها المادة التدريبية. هذا الرجل المُجرم لا يخلو من البعد الإنساني، فهو رغم استغلاله البشع لهؤلاء اليُفَّع، إلا أنه لا يُريدهم أن يتأذّوا من الممارسة، فالمؤكد أن الغاية من التدريب هو كيف تتم العملية بنجاح دون الوقوع في قبضة الضحايا أصحاب الموبايلات أو الشرطة، فالتدريب سيكون جزءاً من أهدافه منع الاحتكاك بين الضحايا والسارق، وفي الأمر قدْرُ من توخِّي السلامة، بيد أن الأمر المؤكد أنه كلما كان التدريب ناجعاً ستكون الغلة أكبر، وسيكون المجرم الكبير آمناً.
)2(
إن هذا المجرم الفاهم سيمكن الجهات المسؤولة عن أمن وسلامة المجتمع، أن تُطوِّر أدواتها الحمائية، فهو ينبئ بأن عمليات السرقة لم تعد عمليات عشوائية، إنما عمليات مدروسة، ولها خطط وتقنيات، لا بل أصبحت علماً ينتقل من جيل إلى جيل بالدراسة والتطوير وغيرها، حتى وإن كان ذلك بالمشافهة، لأنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تجد مادَّةً مكتوبةً عن تعليم السرقة أو أيِّ فعل منكر، اللهم إلا بطريقة غير مباشرة كقصص الجريمة أو قصص الشرطة في مكافحة الجريمة، مثل سجلّات اسكوتلنديارد الشهيرة أو قصص أرسين لوبين، ففي مثل هذه المواد يمكن لهاوٍ أو محترفِ إجرامٍ أن يجد ما يفيده، مثله مثل الذي يكافح الجريمة، فالصراع بين يمارسون الجريمة ومن يكافحونها صراعٌ مُؤبَّدٌ، وفي معظم الأحيان يتقدَّم المُجرمون على المُكافحين، وذلك بابتكار التدابير التي تُساعدهم في إنفاذ جريمتهم، ثم يأتي المُكافحون بعد ذلك للمُقاومة والمنع، وهذه الأخيرة يُمكن أن تُوثَّق وتُدرَس، ولكن بشيء من التدقيق يُمكن من ذات المادة أن يستفيد المجرم القادم، وعليه يصبح أخطر انواع المجرمين هو من كان يعمل في مكافحة الجريمة، لأن تلقِّي قدرٍ من التدريب، وفي نفس الوقت سيكون أحسن من يكافح الجريمة، من كان ممارساً لها، ومن هنا أتكهَّن أن الرجل المشار إليه أعلاه كان على صلة بمكافحة الجريمة، فإن لم يكن كذلك فإنني أقترح على الجهات المسؤولة أن تستفيد منه، ومن أطفاله في مكافحة الجريمة، أي تحويل تلك الطاقة السالبة إلى طاقة إيجابية. وقديماً قال أحد الحكماء إنه يقف تعظيم سلام لمن يُجوِّد خدمته حتى وإن كانت غير مشروعة.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد