ارتفعت أسعار اللحوم والألبان في الخرطوم بشكل مزعج ومقلق للكافة ، فقراء وميسورين ، فبينما انشغل الشعب بالثورة وتداعياتها النفسية ومضاعفاتها الأمنية ، وغرقت أجهزة الدولة في بحر المواجهات الميدانية والإعلامية مع قوى الحرية والتغيير ، ثلاثة أشهر طويلة منذ إعلان الجيش انحيازه للتغيير ، استغل تجار الأزمات غياب السلطة ، فضاعفوا أسعار كل السلع مراتٍ ومرات ، رغم أن الدولار انخفض سعره واستقر لنحو شهرين ، في مفارقة غريبة وعجيبة لا تؤكد غير أن الفوضى هي الحاكمة في بلادنا وليس غيرها .
ما هي مبررات ارتفاع منتجات محلية مثل اللحوم والألبان والخضروات والزيوت ، ولم تزد قيمة الوقود لترتفع قيمة الترحيل من مواقع الإنتاج في كردفان ودارفور والنيل الأبيض ؟
ما الذي يجعل رطل اللبن يُباع في الخرطوم بنحو (20) جنيهاً أو أقل قليلاً ، فيما يربو سعر كيلو الضأن على (400) جنيه في بلد يسرح على أراضيها ما لا يقل عن (100) مليون رأس !!
ما هذا الذي يجري في أسواق الخرطوم وبقية الولايات ، ومَن المسؤول عن هذا الفساد الأكبر متشعب الأطراف بحيث يشارك فيه كثير من أبناء شعبنا مع سبق الإصرار والترصد ، فكل صاحب سلعة أو خدمة يضع ما يروق له من سعر ، دون ضابط قانوني أو قيمي أو وازع ديني .
الكل يحمل سكينه ليذبح الكل ! الجزار يذبح بائع اللبن ، وبائع اللبن يذبح بائع الخضار ، وصاحب الحافلة يذبح العمال والموظفين والطلاب ، وهكذا تدور الدائرة الجهنمية على جميع سكان السودان البؤساء .. فهم الجناة والمجني عليهم في ذات الوقت !!
لقد ضاق الحال بالناس ، وبلغ الإحباط بهم مبلغاً ، فالثورة لا تحمل في طياتها النِعم ولا يتساقط معها المن والسلوى من السماء ، كما كان يتخيل البعض ، ولا سقوط النظام السابق يعني انتقال السودان إلى مصاف دول تعيش شعوبها الرفاهية في كل مناحي الحياة مثل “سويسرا” ، “اليابان ” ، “النرويج” و”سنغافورة” !
أمام الحكومة الانتقالية عمل كبير ومضنٍ لإزالة قيود الضنك عن شعبنا الصابر العزيز .
الهتافات لا تصنع دولة الكفاية والعدل ، فمتى يسقط نظام الجشع في السودان ؟!