دعا المهندس عثمان ميرغني في زاويته “حديث المدينة” أمس، تحالف قوى الحرية والتغيير لتسمية رئيس مجلس وزراء عوضاً عن حالة الترقب الحالية.. وفضّل عثمان ميرغني الأستاذ الزميل فيصل محمد صالح على خيار الحرية والتغيير المطروح على الطاولة الآن الدكتور عبد الله حمدوك الخبير الأممي المتفق عليه حتى من قبل المؤتمر الوطني “المعزول”، ومن كل القوى السياسية.. وفي حكومة ما قبل إيلا تم ترشيح حمدوك وزيراً للمالية ولم يناهض ويرفض ترشيحه إلا الدكتور نافع علي نافع..
أما ترشيح الأستاذ فيصل محمد صالح رئيساً لمجلس الوزراء من قبل عثمان ميرغني بالطبع فيصل قلم نظيف جداً لم تلوثه السياسة بدرن الخصومة، ولم تغش فيصل عصبية انتماء ضيق لحزب أو جماعة.. وهو من القلة النيلية التي لم تعتريها أمراض الجهوية والقبلية والعنصرية.. تمتد علاقات الرجل من الوسط إلى اليسار واليمين.. قد تختلف معه فيما يعتقد، ولكن لا خلاف حول نظافة أدواته المستخدمة في الاختلاف.. ويسيل قلمه الدفاق يومياً في حارات وأزقة أوراق “الجرايد” وقلمه معقّم ضد العراك الشخصي والنيل من الخصوم بالضرب في المواضع القاتلة..
الأستاذ فيصل محمد صالح من المعارضين للحكومة السودانية والمناهضين لسياستها بوعي، بيد أن معيار المعارضة وحده لا يحقق شروط الولاية العامة والوظيفة التنفيذية، ولو كان الأمر كذلك لانعقد لواء رئاسة الوزارة بعد سقوط الانقاذ لواحد من ضحاياها أمضى في السجن 13 عاماً يتقلب في المواجع من غير محاكمة.. ومن غير المهندس يوسف لبس أمضى هذه السنوات في غياهب السجن وعندما خرج قال كلمته التي سارت بها مجالس الخرطوم “عفوت عن من حبسني”، وترك الأمر لله الواحد القهار.. والسنوات الثلاث عشرة في الزنازين تفوق مجموع سنوات السجن التي أمضاها أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مجتمعين!! وتفوق سنوات السجن التي أمضاها جميع أعضاء المكتب السياسي لرفاق حزب البعث.
ولكن معيار السجن شيء وكفاءة فيصل كصحافي مثقف تسنده معرفة وخبرة طويلة وبصيرة نافذة وهو شخصية مختلفة من قادة “الحرية والتغيير”، وهم يمنون أنفسهم إذا ما دانت لهم قيادة البلاد والتقرير بشأنها التنفيس أولاً عما في النفس من غضب وغل والانتقام من الآخرين المختلفين سياسياً.. والانتقام لا يبني وطناً ولا يُعمّر أرضاً.. ولكنه قد يشفي معنوياً صدوراً مُحتقِنة بصديد الخلاف..!
مثل فيصل محمد صالح لن يقبل على ما تدعو إليه بعض مكونات قوى الحرية من إجراءات لتصفية وحل جهاز الأمن الوطني، وحل الدعم السريع وتصفية القوات المسلحة، وتصفية الشرطة، وتطهير الخدمة المدنية من “المختلفين” مع الحرية والتغيير بزعم أنهم من قادة النظام السابق وربان سفينة الدولة العميقة!!
مثل فيصل محمد صالح تعصمه أخلاقه عن الولوغ في الدم الحرام وانتهاك حقوق الناس ومصادرة الحريات مثل أصحابه وصويحباته المرددين لشعار بائس “كل كوز ندوسو دوس”، وهو يعلم لكل “دوسة دوسة مقابلة”.. نعم لفيصل محمد صالح، لأن الصحافيين أرفع تأهيلاً سياسياً من القيادات “نصف الكم” لن يخسر مجلس الوزراء إذا ما كان في قيادته من “يقرأ” “ويفهم” وقبل ذلك قلباً رؤوفاً رحيماً بالناس بعد أن شبعنا من القوي الأمين، ونتطلع الآن للرؤوف الرحيم..