مبادرة القاهرة..لماذا..؟
نظرة واحدة الي تشكيل الوفد الذي غادر الي القاهرة لغرض الاستجابة الي ما يسمي بالمبادرة المصرية كافية لأن تجعلك تشعر بكل الاستغراب وعدم فهم الجدوي من تلك المباحثات – اذا جاز تسميتها بهذا الاسم ، فالاصل في المبادرات انها تطلق لاجراء حوار بين طرفين مختلفين ، او لجمع كلمة فرقاء ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهم ، اما مسالة جمع فصائل وتكوينات سياسية عديدة تتبني وجهة نظر واحدة وتتفق في معظم اهدافها – ان لم يكن كلها – فذاك اقرب الي ان يسمي ( رحلة ) او اي شئ اخر خلاف مبادرة او مباحثات .
خلاف مسألة اتفاق المتفقين هذه – يبقي التوقيت الذي عقدت فيه هذه الاجتماعات نفسه غير مناسب ، لا من حيث الزمان ولا المكان ، فالعملية السياسية التي تشهدها البلاد في الوقت الحالي قطعت شوطا بعيدا في محاولات الوصول الي نقاط اتفاق باعتراف حتي الاطراف المشاركة في اجتماعات القاهرة ، بل ان تصريحا صدر من الكتلة الديقراطية حدد نسبة التقارب في وجهات النظر مع المجلس المركزي بخمسة وتسعين بالمائة مما يشير الي قرب الوصول الي توافق محتمل في وقت قريب .
كذلك تبقي مسالة عقد هذه الاجتماعات خارج السودان غير مبررة ، ولا يصلح لتبريرها الاحتجاج بانها سنة في السياسة السودانية مثل ما حدث في نيفاشا او ابوجا او قبل ذلك في اثيوبيا – اذ ان الاحتقان كان دائما هو عنوان العلاقات بين المتفاوضين في تلك المباحثات ، وطرفا منها كان دائما يقيم خارج البلاد . اما الان وقد سبق توقيع اتفاق للسلام جمع كل الفرقاء السابقين داخل حدود الوطن ، وكل الاطراف التي ذهبت الي القاهرة غادرت عبر مطار الخرطوم بل وعلي متن نفس الطائرة ، فليس ثمة سبب واحد يدعو لعقد الاجتماع خارج الحدود .
نقول ، انعقاد المبادرة في ظل كل المعطيات التي سقناها اعلاه يشير الي ان اهدافها لا تتخطي وحدا من عناصر ثلاثة :
الاول : حوجة من دعا الي تلك المبادرة لأن يكون متواجدا ومؤثرا فيما يدور من احداث بالسودان الذي يمثل العمق الاستراتيجي له وحوجته الي احكام قبضته علي اكثر من طرف بما يضمن له السيطرة علي الاوضاع في كل الاحتمالات .
الثاني : حوجة من لبوا الدعوة الي اضعاف العملية السياسة الجارية بدونهم ومحاولة تشتيت الجهود وصرف الانظار عن الاتفاق الاطاري الذي تجري ورش اكتماله في هذا التوقيت علي قدم وساق .
الثالث : حوجة الطرف الثالث الذي يقبع بالخرطوم والمتمثل في المكون العسكري لشراء الوقت واظهار مدي تفرق المكونات المدنية وبعد الشقة بينها وهو ما ظل يراهن عليه للبقاء اطول مدة ممكنة بالسلطة .