* قد لا تُحظى مبادرة الرئيس سلفاكير بفرصٍ كافيةٍ للنجاح، في ظل واقعٍ سياسي مزعج، استحكمت حلقاته وضاقت بسيادة فقه ركوب الرأس، سعياً لعرقلة المبادرات الرامية إلى إيجاد مخرج آمن لأزمة خانقة، تهدد استقرار بلادنا، وتنذر برميها في أحضان المجهول.
* مع ذلك أُقِر بأن مبادرة الجنوبيين أسرتني، وحظيت بقبول كبير في نفسي، لتمام إحساسي بأنها صادقة، وصادرة من قلوبٍ محبةٍ للسودان، ومشفقة عليه، ورامية إلى رد الجميل لشعبه، بعد أن سعى بالخير بين فرقاء الجنوب، وأفلح في حضهم على إبرام اتفاق سياسي، يؤذن بانتهاء الحرب الأهلية هناك.
* عبَّر الفريق توت قلواك، مستشار الرئيس سلفاكير للشؤون العسكرية والأمنية عن المبادرة بكلماتٍ بسيطةٍ، قالها بعربي جوبا، الذي تعودنا على سماعه من شفاه أشقائنا الجنوبيين منذ نعومة الأظافر، وأحببناه عندهم، قبل أن تفعل السياسة الملعونة أفاعيلها بنا، وتقتطع الجنوب من جسد الوطن الحبيب.
* توت قلواك (النويراوي النبيل) رجل مُحب للسودان، قابلته قبل عدة شهور، عندما سافرت إلى جوبا لتغطية زيارة وزير الخارجية السابق، د.الدرديري محمد أحمد، فأصر على استقبالنا في داره، وأكرم وفادتنا، قبل أن يستجيب إلى طلبي الرامي لإجراء حوار صحافي معه، تحدث فيه بنبرة تفيض صدقاً، مؤكداً سعيهم إلى رد الجميل للسودان، بإحضار قادة الحركات المسلحة إلى جوبا، لإقناعهم بالانضمام إلى مسيرة السلام في الشمال.
* بعدها عبَّر قلواك عن محبته للسودان بطريقة أخرى، عندما أقام حفل زواجه في الخرطوم، ودعا كل أصدقائه القدامى لحضوره، لذلك لم يساورني أدنى شك في صدقه، ورغبته في مساعدة أهل السودان على تجاوز أزمتهم الخانقة.
* ليت طرفي النزاع منحا مبادرة الرئيس سفاكير مساحةً بينهما، وليت المجلس العسكري يكف عن خنق مساعي تقريب وجهات النظر بينه وبين قوى الحرية والتغيير.
* إصرار المجلس على الحل الفردي لن يثمر خيراً، لأن التعقيدات العديدة، والتحديات الكبيرة التي تحيط بالملعب السياسي تجعله غير مهيأ لإبراز المهارات الفردية، وقد حذرناه من الإقدام على حماقة فض الاعتصام، فكانت المحصلة كارثة مروعة، ومذبحة دموية، عقَّدت المعقَّد، ورفعت معدل الاحتقان، ووسعت الشقَّة بين العسكر وقوى الثورة.
* عناد المجلس لن يمنعنا من معاودة الكرَّة، وتجديد النصح له بأن يترك أبواب الحوار مشرعةً للحل، وأن لا ينفرد بتكوين مؤسسات الفترة الانتقالية، لأن تلك الخطوة المتهورة ستقود الأمور إلى مرحلة اللا عودة، ولن تترك لقوى الثورة خياراً غير معاودة التصعيد، ليدفع السودان الثمن غالياً خصماً على فاتورة أمنه واستقراره.
* مجريات الأحداث تدل على أن قادة المجلس يظنون أن فض الاعتصام أفقد قوى التغيير أمضى أسلحتها، وأضعف موقفها بدرجةٍ تسمح له بإقصائها، والاستعانة بمكونات عشائرية وفئوية ودينية، لتكوين مؤسسات الفترة الانتقالية بالتحالف معها.
* الركون إلى تلك القراءة الخاطئة، والخلاصة المتسرعة ستكون له عواقب خطيرة على المشهد السياسي، لأنها ستثبت رغبة المجلس في الاستئثار بالسلطة، وستؤكد أنه يتعامل مع ما حدث في 11 أبريل على أنه مجرد انقلاب عسكري، يمنحه الحق في إدارة البلاد كيفما شاء.
* نذكره بأن أحداث 11 أبريل تلت أربعة أشهر من النضال السلمي، وأن التغيير الذي توجه العسكر بخلع رأس النظام السابق أتى نتاجاً لدماء عزيزة، وأرواح طاهرة، وتضحيات جسام، بذلها شباب في عمر الزهور، قدموا حياتهم ثمناً لواقع جديد، لن يتشكل بتحالفات مصنوعة، مع مكونات هزيلة، يعلم الكل كيف تجمعت، وماذا حصدت.