لو أن الحكومة ركزت فقط على الزراعة كأولوية في برنامج الإصلاح الاقتصادي لكفاها رهق ملاحقة اتخاذ إجراءات متعجلة لمحاولات الاستقرار الاقتصادي ورهق الجري أيضاً وراء ملاحقة استقرار أسعار الصرف.
هذا البلد زراعي.. مستقبله زراعي.. ولا شيء يمكن أن يحل مشكلاته الاقتصادية بغير الزراعة.. هذا ما نراه ونعتقد فيه ولا نمل من تكراره إلى آخر سطر في عملنا المهني.
الشهر الماضي وفي ندوة اقتصادية صغيرة على قناة النيل الأزرق قدمتها الأستاذة المميزة شذى عبد العال، كان الحديث عن البرنامج الاقتصادي لرئيس الوزراء معتز موسى وحول السياسات الخاصة بسعر الصرف وآلية السوق.. ثلاثة من المتحدثين، شخصي والسيد سعود البرير رئيس اتحاد أصحاب العمل ورئيس تحرير اليوم التالي الزميل مزمل أبو القاسم، كان القاسم المشترك بين حديثنا هو أهمية التركيز على القطاع الزراعي كمخرج من الأزمة الاقتصادية.. لكن كان دكتور عز الدين إبراهيم وزير الدولة بالمالية الأسبق يرى أن الدولة أنفقت على الزراعة مبالغ طائلة دون عائد، ودعا لبدائل أخرى كالصناعات.
أمس سعدت جداً بحضور توقيع اتفاقية شراكة بين الولاية الشمالية ومجموعة محجوب أولاد في قطاعي الزراعة والسياحة..
الرسالة المهمة في هذه الاتفاقية أنه وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة وبرغم عدم الاستقرار الاقتصادي، وبرغم الإحباط العام الذي أصاب قطاع الأعمال عموماً، يظهر شخص بكامل قواه الفكرية والمادية ويعلن عن الدخول في عمل جديد في القطاع الزراعي، رغم أن هذا الشخص قد تكون له تجارب صعبة في ذات المجال في مناطق أخرى. وقد تكون استثماراته تعرضت لكثير من المعوقات والمشاكل بسبب عدم استقرار سعر الصرف وبسبب السياسات الحكومية غير المستقرة.
الرسالة أيضاً التي قد تكون مهمة هنا هي أن القطاع الزراعي لا زال جاذباً ويُرجى منه الكثير. بل إن دخول مجموعة استثمارية قوية كما محجوب أولاد قد تكون مشجعة جداً للمزيد من دخول مستثمرين محليين وأجانب والبحث عن فرص.. وهي رسالة علمية وعملية للترويج في الاستثمار الزراعي. وقد يمثل تغييراً للصورة النمطية التي علقت في أذهان كثير من المستثمرين عن السودان.
الرسالة المهمة أيضاً في شراكة الولاية الشمالية ومحجوب أولاد هي عملية الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في القطاع الزراعي.. إذ أن الدخول في شراكات مع الحكومة أمر منفّر وغير مشجع وظل طارداً للتعقيدات الحكومية وعدم الالتزام بالاتفاقات والعقودات، وأيضاً للطريقة البطيئة في الإدارة واتخاذ القرار.
صحيح أن وجدي ميرغني لم يقم بهذا العمل كنظام تكافل اجتماعي. وأنه عمل تجاري يخضع لدراسات الجدوى والبحث عن الفرص والربح. لكن الصحيح أيضاً أنه في ظل المخاطر التي يتعرض لها الاستثمار الزراعي فإن هذه الخطوة هي خطوة جريئة وتستحق التشجيع من الدولة ومن المجتمع.
الفرص التي تحدث عنها وجدي ميرغني في تدشين الشراكة أعتقد أنها فرص كبيرة جداً في الولاية الشمالية التي تمتلك مساحة 14 مليون فدان جاهزة للزراعة لم يستغل منها أكثر من مليون فدان. خاصة إذا ما منحت الأولوية للقمح الذي أصبحت فاتورته مكلفة جداً ومرهقة للخزينة العامة.
واضح أن والي الشمالية ياسر يوسف يجتهد لتغيير الفكرة السائدة عن حكومات الولايات التي فشلت في جذب الاستثمار، وفشلت في تحريك عملية الإنتاج.. جاء بنهج جديد وعليه أن يستمر في فتح الولاية للمزيد من العمل والإنتاج وبعيداً عن كسل التفكير في جلب الإيرادات عبر الرسوم.. الولاية الشمالية تزخر بإمكانات ضخمة وليس الزراعة فقط، وقد ظهر هذا في إمكانات القطاع السياحي الذي شكل الجزء الأول من برنامج الشراكة أمس.
لا شك أن وجود مساعد رئيس الجمهورية فيصل إبراهيم يشكل دعماً سياسياً للشراكة بين الولاية الشمالية ومجموعة محجوب أولاد.