بعد هدوء الأجواء السياسية نسبياً، والتي شهد الطقس فيها حالة ضبابية، غطت سماء البلاد بالغيوم، والتي مازالت هيئة الارصاد السياسي تتوقع المزيد، يتسلل الى الأذهان سؤال صريح، ماذا بعد ، وما الذي استفاده شركاء الحُكم من الذي حدث هدوء تعقبه العاصفة ام عاصفة يعقبها الهدوء، فالمكونان المدني والعسكري تبادلا الاتهامات واشتعلت حرب التصريحات، لكن انتهت المعركة بلا نتائج، فأمر البرهان بانسحاب القوات المشتركة لحماية مقار لجنة التفكيك، والذي انسحبت الشرطة بموجبه، ولم تمر عليه ساعة واحدة حتى استثنى البرهان الشرطة، وكأنه ادرك خطأ ما، وعادت الشرطة لحماية اللجنة، وهلل عدد من السياسيين والناشطين لعودة الشرطة، لكن الشرطة نفسها قالت ان انسحابها وعودتها لا علاقة له بالمواقف بل انه تم بأوامر القيادات العسكرية ، وكأن احتفاء الثوار بالشرطة أغاظ العسكر، فأمروا الشرطة أن تخرج ببيانها أمس لتوضح ان عودتها للمواقع يرجع فضله للبرهان، فالرجل يمنع ويمنح وفق مزاجه.
فقرار سحب الشرطة والعدول عنه يعني ان البرهان يهدد ويتوعد فقط ، فهو يدرك الخطر الكبير الذي يترتب عليه سحب الجيش والشرطة من مواقع الحماية.
أما حميدتي وقواته اتضح انهم ماهم إلا مجرد تابع عندما يتعلق الامر بالسياسة، فالدعم السريع تخضع لتعليمات قيادة الجيش سياسياً، لكنها في ذات الوقت ترفض ان تكون جزءاً منه عسكرياً وهذا هو الذي يكشف خيوط اللعبة، فحميدتي عمل بسياسة (أنا وابن عمي على الغريب) وهذا يعني ان العملية (المطبوخة) بدأت بهجوم من الرئيس ونائبه وانتهت باتفاق على الانسحاب ودقلو لم يكن له رأي واضح في خطابه إن كان يريد ان ينحاز للشعب او يحميه وهذا الأمر يجعله يفقد ثقة الشعب والمدنيين للمرة الثانية او الثالثة ، وان لا مكانة له عندهم إلا التي اختارها هو لنفسه.
وخيوط اللعبة المتشابكة التي تحدثنا عنها من قبل تبدو جلية وواضحة الآن فبعد (المناوشات) التي قلنا ان الانفلاتات الأمنية هي جزء وبداية لها وواحدة من السيناريوهات، تبارت القيادات العسكرية في النفي وقالت ان ليس لها علاقة بالذي يحدث من سيولة أمنية، لكن هل من إجابة لهذا السؤال، عندما حدثت الانفلاتات السياسية بين المكونين لماذا اختفت وتلاشت الانفلات الأمنية في العاصمة الخرطوم ؟؟
ألم نقل إن الانفلات الأمني كان الخطة (أ) وعندما لم ينجح انتقل الذين خلفه الى خطة (ب ) وربما (ج ود)
ويهرول عضو المجلس السيادي الفريق شمس الدين الكباشي الى شرق السودان، ويوافق مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، بالسماح لصادر بترول الجنوب بالإنسياب دون عراقيل على أن يكون انهاء اغلاق بقية المرافق بعد اسبوع، ليشارك الكباشي في (مشهد بطولي) ويقوم بازالة المتاريس، فغريب ان تذوب شروط ترك، دون ان تحل لجنة التفكيك وقبل ان يستقيل حمدوك.
هذا وغيره يؤكد ان كل الذي حدث ماهو إلا محاولات بائسة ، تدفعها أغراض خفية لخلق فوضى سياسية، لا ناقة للمواطن ولا بعير له فيها، بل العكس أمنياً كانت خسارته حد الفقد للأرواح واقتصادياً خسر خزينة الدولة، وتعطلت مصالحه وضاع وقته بسبب هذا التشاكس والتنافر الغريب.
عليه فلابد من ان تقدم له الحكومة شرحاً واضحاً عن الاسباب الحقيقية التي دعت الى ذلك، إن انتهى الأمر بالاتفاق، وماهي الضمانات أن لا تتكرر مثل هذه المسرحيات مستقبلاً، وكيف للمكونين ان يستعيدا الثقة من جديد في بعضهما، هذا إن ظل الوضع هكذا ولم يتأزم مجدداً، او أن تحسمه ثورة من جديد وتغير ملامحه الرمادية.
كما ان الحكومة المدنية ماذا أعدت من عدة حتى تتصدى لمثل هذه الهجمات السياسية إن حدثت مستقبلاً من قبل العسكر والى متى سيظل بابها فاتحاً لهم متى ما أرادوا الدخول دخلوا او تسللوا، وهل ستقوم بإصلاح مابينها، حتى لا تكون عرضة للاستباحة من جديد.
أما الأهم من ذلك متى ينتهي التحقيق مع المتهمين في المحاولة الانقلابية ومتى يعلن عنهم ليتم تقديمهم للمحاكمات أم ان كل محاولة انقلابية تفشل يختفي أبطالها في ظروف غامضة ؟!
طيف أخير:
مع الأيام والتجارب يجب أن لا تحتاج إلى ذكاء خارِق كي تُميز مابين الخطأ والصواب.