(1)
يُحيِّرني وما يَتَحيّر إلا مُغيِّر رَدة الفعل التي قَابل بها المُواطنون تَقرير لجنة النّائب العَام التي تَرأسها مَولانا فتح الرحمن سعيد عن أحداث فَضّ الاعتصام في الثّالث من يُونيو المُنصرم تلك الأحداث المشئومة التي رَاحَ ضحيتها عَددٌ كَبيرٌ من الشهداء، وجُرح فيها عَدَدٌ أكبر، وفُقد فيها شَبَابٌ مازال البَحث جارياً عنهم، فَهَذا التّقرير لن يُرفع للحكومة القَادمة لأنّه من أهم البُنود المُتّفق عليها في الإعلان السِّياسي، إنّ هناك لجنة وطنية مُستقلة سَوف تكوِّنها الحكومة القادمة وهي حكومة الكَفَاءات التي سَوف تُكوِّنها قِوى الحُرية والتّحرير (قحت)، وتلك اللجنة المُستقلة بعد أن ترفع تقريرها سَتقوم الحكومة المُرتقبة بِإحالته لأجهزتها العدلية وتقضي فيه بما يفرضه القانون. فإذن يا جماعة الخير، تقرير مولانا فتح الرحمن ليست له حكومة يُرفع إليها, ولكن بما أنّ المجلس العَسكري هُو حكومة الأمر الواقع، فليس من حقه أن يُحيله إلى لجنة عَدلية لأنّ ذات المجلس قَد وَقّعَ عَلَى الوثيقة التي أَحَالت الأمر للحكومة القادمة وهذا يَعني لَيس من حَق النائب العام أن يَرفعه إلى أيّة جهة أو يُحيله إلى لجنة عدلية، وهنا يَثُور السؤال لماذا انعقد المؤتمر الصحفي لكشف مُحتويات التّقرير؟ هل لأنّ رئيس اللجنة تمّ تكليفه ولم يُوقفه أحدٌ، فأراد أن يكمل تكليفه؟
(2)
بالمُناسبة كَانَ المجلس العسكري قَد قرّر تَشكيل لجنة لذات الغَرَض ولا نَعلم عنها شيئاً الآن، ولكن ليس في ذلك غَضَاضَة، فحزب الأمة قَد كوّن لجنة لذات الغَرض ومِن حَق أيّة جهة أن تكوِّن لجنة، ومن حَق أيّة مُؤسّسة اعلامية أن تُكوِّن فريقاً للتّقَصِّي في الأمر، فَهَذِه تَكوينات تَخُص مُكوِّنيها.. والأمر المُتّفق عليه أنّ المجلس العسكري الانتقالي إلى زَوَالٍ، فبمُجرّد التّوقيع على الوثيقة الدّستورية والتي سَوف تُضَافُ إلى الوثيقة السِّياسيَّة سوف تتكوّن مُؤسّسات الحكم الانتقالي، وسَوف ينتهي دَور المجلس العسكري بتكليف خَمسة من أعضائه ليكونوا في مجلس السِّيادة وتَرشيح وزيري الداخلية والدفاع، وساعتها سيكون الخمسة أعضاء في المجلس السيادي مُمثلين للمُؤسّسة العَسكرية عَامّة، وإذا شغرت خانة أيِّ واحدٍ منهم لأيِّ سببٍ من الأسباب، فلن يكون هُناك مجلسٌ عَسكريٌّ انتقاليٌّ ليُرشّح لها البَديل، إنّما سَتُملى بطريقةٍ أُخرى، وكذا إذا شَغر منصب أيٍّ مِنَ وزيري الداخلية والدفاع فلن يكون هُناك مجلسٌ عسكريٌّ ليرشُح شَخصٌ آخر إنّما سَتملى بطَريقة أخرى.. عليه عُمر المجلس العسكري الانتقالي مَرهُونٌ بالاتّفاق بين (قحت) والمجلس نفسه.
(3)
التّفاوُض في تَوزيع الاختصاصات والذي تَسعى فيه (قَحت) لتجريد المَجلس السِّيادي من أكبر قَدرٍ من الصّلاحيات وتَجعله تَشريفياً فقط، يجري وكأن المجلس السيادي هو المجلس العسكري الحالي، علماً بأنّ اتفاقية الخامس من يوليو جَعلت الأغلبية مَدنية (5 + 5 +1)، وأغرب ما في الأمر أنّ هُناك افتراضاً بأن يظل العسكريون كُتلة صَمّاء في مُواجهة كُتلة صمّاء أُخرى من المدنيين، فالمُؤكّد أنّه بعد تكوين المَجلس السِّيادي سَوف يَصبح كل عُضو فيها مُعبِّراً عن نفسه وعن قناعاته السِّياسيَّة مدنياً كَانَ أم عسكرياً، فإذا ما عُرض أمر للتّصويت قد يُؤيِّده ستة أعضاء، ثَلاثة من المدنيين وثلاثة من العسكريين، ويُعارضه مَدنيون وعَسكريون ويَمتنع مَدنيٌّ عن التّصويت، وهكذا سَوف تُتّخذ القرارات بالأغلبية البَسيطة أو حتى ولو كانت بأغلبية الثُّلثين.. أمّا تكوين اللجنة المُستقلة للتّقصي في أحداث فَضّ الاعتصام فلن تُعرض من الأساس على المَجلس السِّيادي، لأنّه شأنٌ تنفيذيٌّ يخص مجلس الوزراء.. فبدلاً من الاحتجاج على التّقرير اتّجهوا لتكوين مُؤسّسات الانتقال.