المشهد الثوري الذي يعكسه حجم التفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بل وبعض الشارع، هذا المشهد تنشط فيه أطراف عديدة مما يجعل المخاوف من الثورات المضادة تتزايد يومًا بعد يوم.
بتصنيف سريع، فإن قوًى ثورية رئيسية تقود ثورة لتصحيح مسار الثورة، وهذا طبيعي أن يحدث وطبيعي جدًا أن يُسمَع لها، وهذه المجموعات تتمثل في لجان الأحياء الذين ينادون بأولوية القصاص لشهداء الثورة، وعلى مستوى الأحزاب يتبنى الحزب الشيوعي هذا الخط عبر واجهة الحزب.
مجموعة ثانية تؤيد هذه المطالب وتبصم عليها بالعشرة، لكن الهدف ليس تصحيح مسار الثورة بل محاولة وأدها، وهذه المجموعة تتمثل في تيار عريض وسط الإسلاميين، وعلى مستوى تنظيميٍّ يقود حزب المؤتمر الشعبي هذا الخط، وتنشط كوادره في وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار قوى الحرية والتغيير أنها غير مؤهلة لقيادة الثورة.
والجميع هنا ينشط حول الخط “تصحيح مسار الثورة”.. وحينما تنامت الدعوة لتسيير مليونية 21 أكتوبر واتسعت الاستجابة لها، بدأت المحاذير تُطِلُّ برأسها من أن تكون المليونية فرصة للنظام البائد أن للانقضاض على ثورة ديسمبر، فعليًّا تراجعت الاستجابة قبل أن يدعو الحزب الشيوعي بشكل صريح أمس للمشاركة في المليونية.
أما الخطر الأكبر الذي يتلاعب ويحاول توظيف التناقضات في هذا المشهد ويحاول توجيه غضب الحانقين على مسار الثورة نحو أجندته هو أجهزة المخابرات الخارجية التي “فرضت” نفسها بشكل أو بآخر أن تكون داخل المشهد منذ قبل سقوط البشير.
هذه الأجهزة بات نشاطها يتسع يوميًّا، عبر أذرع إعلامية جديدة برزت بعد الثورة، أو عبر أذرع سياسية وكذلك أمنية.
من الضروري الأخذ في الاعتبار أن مؤسسات رئيسية ذات طبيعة معلوماتية اخْتُرِقت وباتت تعمل بتنسيق كامل مع بعض الدول التي تنشط في المشهد السياسي السوداني، وبالضرورة النظر في طبيعة التغيير الذي تم وانتهى إلى شراكة بين عسكريين أظهروا ولاء مطلقا لهذه الدول مع مدنيين؛ تيار رئيسي منهم اجتمع مع حكومات هذه الدول بالتزامن مع سقوط البشير.
بين هذا وذاك، كيف العمل؟.. كيف يمكن تصحيح مسار الثورة مع قطع الطريق أمام أجندات هذه الأجهزة؟ وفي ذات الوقت قطع الطريق أمام أي محاولة للإسلاميين للانقضاض على الثورة أو تعطيل مطالبها؟.
تبدو المهمة عسيرة للغاية ومتقاطعة ومتداخلة.. الكرة في ملعب الحكومة يجب أن تستعجل بعض الملفات التي يصعب الانتظار لأجلها لوقف الحاجة إلى ثورة تصحيحية