* كولمبيا اسم يطلق على منطقة تقع أسفل جسر النيل الأزرق (كوبري الحديد)، وتشهد انفلاتاً لا تخطئه عين، بتعطيل حركة المرور، والمتاجرة في الممنوعات، والاعتداء على المارة والمركبات، انتهاءً بالتعدي على عربة للدعم السريع، رد ركابها على رشق الحجارة بالرصاص.
* بدءاً نذكر أن ترويج الممنوعات ليس جديداً على شارع النيل، بدليل أن العهد البائد اضطر إلى حظر ستات الشاي من العمل فيه، بادعاء أن بعضهن يتخذن من المهنة ستاراً لأعمال مجافية للقانون، وقد وصف مدير الأمن السابق صلاح قوش ذلك القرار (بالأصنج)، أثناء شهور الثورة، فتم فتح الشارع، وعادت إليه سوءاته القديمة، لتتضاعف في (كولمبيا) السودانية.
* نبدأ تحليل تلك الظاهرة بإثبات حقيقة أن من يخالفون القانون جهرةً في منطقة الانفلات لم يولدوا بعد الثورة، ولم تفسد أخلاقهم بعد انهيار الإنقاذ.
* خلال يومين فقط حدثت ثلاث جرائم قتل، ارتكبها نظاميون (بالرصاص الحي) في شارع النيل، فتم اعتبار جرائمهم (تفلتات فردية)، لم تحسب على القوات التي ينتمون إليها، وفي الوقت نفسه تم دمغ الثورة بالتخلي عن السلمية، بسبب تجاوزات ارتكبها متفلتون في منطقة كولمبيا.
* مرة أخرى نسأل: ما الذي يمنع الشرطة من ممارسة مهامها في المنطقة المذكورة؟
* لماذا يتم إسناد مهمة بسط الأمن إلى الدعم السريع، التي تشكل في مجملها قوة مقاتلة، لم يتعود أفرادها على التعامل مع الحشود، ولم ينالوا التدريب اللازم لحفظ الأمن في المدن، والتعاطي مع المدنيين، مثلما يحدث لرجال الشرطة؟
* لقد حذرنا قبلاً في هذه المساحة من تكليف الدعم السريع بمهمة حفظ الأمن، لأن ذلك سيقودها إلى احتكاكات مباشرة مع مدنيين، يمكن تصنيف بعضهم في فئة المندسين، الذين يمتلكون مصلحة في تشويه صورة الثورة، ومحاولة دمغها بالشغب والعنف، سعياً لتوسيع الشقة بين قوى الثورة والعسكريين.
* تنقطع المياه عن المواطنين في الصالحة فتتصدى الدعم السريع للمشكلة، ويتواتر انقطاع الكهرباء فتستدعي قيادة الدعم السريع قيادات الكهرباء في وزارة الدفاع لمساءلتهم عن مسببات الانقطاع، ويضرب موظفو بنك السودان فتنبري الدعم السريع لإلزامهم بممارسة مهامهم قسراً، وتتحول المهمة إلى أزمة.
* حتى إضراب موظفي الإرصاد الجوي في مطار الخرطوم تعاملت معه الدعم السريع!!
* أين مؤسسات الدولة المنوطة بمتابعة مثل هذه الأعباء؟
* السودان دولة عريقة في مجال الخدمة المدنية، تمتلك وزارات ومؤسسات حكومية مركزية وولائية منوطة بتسيير دولاب العمل اليومي منذ عشرات السنوات، فكيف يتم تخطيها كلها لتصبح معالجة كل مشكلات الدولة مسؤولية الدعم السريع، برغم عدم تخصص أفرادها في العمل المدني؟
* أين الشرطة التي تراجع دورها، وتقلصت تدخلاتها، حتى باتت مشاهدة أحد رجال المرور يؤدي عمله تستوجب الاحتفاء؟
* إن استغلال واقعة تعدي بعض المنفلتين على عربة للدعم السريع لتجريد الثورة من سلميتها، يمثل مسعىً خائباً لاجتراح مبررات واهية، يراد لها أن تبرر عملية أمنية مرتقبة، يجري التجهيز لها منذ فترة، وتستهدف فض الاعتصام بالقوة.
* لو حدث ذلك فسينزلق السودان إلى دوامة عنفٍ لا يعلم أحد أين ستنتهي، وكم من القتلى ستخلف.
* مطلوب من قوى التغيير أن ترفع يدها عن منطقة كولمبيا، وتسلمها إلى الشرطة كي تمارس مهامها فيها، ونتوقع من الشرطة أن تؤدي واجبها، لتفرض هيبة القانون، ومطلوب من قيادة الدعم السريع أن تبعد قواتها عن محيط الاعتصام، وتقلص حدود تعاملها مع المدنيين، كي لا يجد المتربصون بها فرصةً لاستهدافها.
* حكموا صوت العقل، وفعِّلوا مؤسسات الدولة لتؤدي مهامها المعتادة.. تكفينا الدماء التي سالت، والأرواح التي أزهقت، والفتنة التي برزت سافرةً تهدد بلادنا بالارتماء في حضن المجهول.