لم يكن ظهور الأمين العام المكلف للحركة الإسلامية، علي كرتي وزير الخارجية الأسبق والقيادي بالحزب المحلول المؤتمر الوطني على خشبة المسرح السياسي هو ظهور جادت به الصدفة ، ليطل علينا على كرتي عبر فضائية طيبة كرجل سياسي وقيادي من الماضي، لدوره السياسي البارز في حكم المخلوع ، ليقرأ على المشاهد من دفتر تاريخ ناصع البياض حتى يستدعي عندك الرغبة في السماع اليه ، فكرتي هو رجل الماضي الذي صال وجال في ساحات الحكم الذي خيم على السودان اكثر من ثلاثين عاما رأى فيها الشعب كل انواع الويل والثبور والنفاق السياسي والفساد الممنهج والمقنن .
وحفظ الشعب هذه الوجوه (المستنسخة) وهو يعلم كل ماتقوله وماتريد قوله وماوصلت اليه وماتريد الوصول اليه ، فالشعب عندما يستمع لكرتي يكاد يجزم ان على كرتي سيقول جملة محدده وبعدها سيبتسم ومن ثم يعود ليظهر جدية وصرامة في الدقية ٢٣ من ساعة الحوار .
الشعب السوداني ليس له وقت لكي يعيد عليه كرتي فكرته بطريقة أخرى ، او يمارس عليه التضليل في عملية التدوير وتسويق الانقاذ بشكل جديد ، الشعب الذي يخاطبه كرتي الآن بلغة مختلفة ، وطريقة مختلفة ، ايضا اصبح شعب مختلف ، فالتودد للشعب على شاكلة الإقرار والاعتراف بالخطأ وتمثيل دور البراءة التي (لاتليق بكرتي) لم تعد مجدية ، وبدء صفحة جديدة مع الاسلاميين ، وتقديم ( الفسيخ ) نفسه على طبق مختلف بعد تغليفه ، هذه الطرق اصبحت ( دقة قديمة ) ، وأن يفوت على كرتي أن السودان ٦٠% من شعبه شباب سموا انفسهم بالجيل الراكب رأس ، هذا الجيل ليس لديه مشكلة في الفهم حتى يسمع على كرتي باسلوب مختلف هذا الجيل مشكلته أنه لن يسمع كرتي ولو قدم نفسه عازف اورغ ، ناهيك ان يفهم مايقصده من رسالته السياسية ، هذا ماوصل الناس اليه من قناعة لكن ان لم يدرك كرتي كرجل سياسي هذه الحقيقة، فهذا يعني ان كرتي فاته الكثير من دروس السياسة التي يجب مراجعتها ومن ثم اللجوء لاحقا الي خطوة الظهور الاعلامي كأول الخطوات لبداية الحملة الانتخابية لحزب المخلوع ، ولأن كرتي هو الحاضر في حكومة الانقاذ والحاضر المؤثر بقوة في حكومة البرهان ، والذي يخطط لأن يكون حاضرا في المستقبل لذلك قلنا ان ظهوره على اجهزة الاعلام لم يكن مجرد لقاء تلفزيوني اراد به الرجل التنفس عبر الفضاء الاعلامي بعد غيبة طويلة.
ومن قبل ذكرنا ان على كرتي هو من يدير المكتب السياسي الخفي بجانب مكاتب المجلس الانقلابي وهو من شارك في صياغة بيان البرهان وهو من أمر باطلاق سراح المعتقلين السياسيين في حكومة المخلوع وهو من شارك في اعادة عناصر النظام الي المؤسسات ، ومع ذلك خرج كرتي يكذب ولا يتجمل لكي يقول انه ليس له علاقة بالفريق البرهان ( عليك الرسول ) هذا هو النفاق الذي خسف بكم الأرض.
فمعرفة كرتي بالبرهان كشفها الحوار نفسه عندما تجاوز كرتي البرهان واللجنة الأمنية ولم يحملهم المسئولية المباشرة في كل الذي حدث من جرائم فالرجل لايرى خطأ في البرهان ولجنته الامنية بالرغم من القتل والعنف والاغتصاب والجرائم ضد الانسانية لايرى خطأ فيهم سوى انهم شاركوا قحت في حكم البلاد واطالوا عمر الفترة الانتقالية لماذا لأنه جزء مما ارتكبته اللجنة الأمنية والسلطة الانقلابية.
ويطيل علي كرتي الوقوف والاطلالة عبر نافذة الزيف الذي ظهر من خلالها لمخاطبة الشعب ولكن لم يستطع تجاوز النفاق في خطابه ويقول انهم لم يقوموا بعرقلة حكومة الثورة وتعطيلها ، وهذا حديث لايصلح للمستقبل لأنه يعيد للذاكرة احداث الماضي فالخطاب الاعلامي( الكيزاني ) كان سمته الاساسية هو انه كان خطابا ( فالصويا ) يعتمد على العبارات البراقة اللامعة والجوفاء التي تفتقر كل معاني الصدق والحقيقة في جوهرها وهذا النوع من الخطاب كان يجب ان يتحاشاه كرتي ان كان فعلا يريد ان يقدم نفسه وحركته وحزبه بطريقة جديدة مختلفة لكنه أخفق ليس لأنه رجل غير بارع في طريقة الاسلوب والخطاب لكن لأن هذه (حقيقتهم ) لذلك ان ظهوره بهذا الشكل الزائف وهو يمارس ويستخدم اسلوب الخديعة هو اكبر دليل على الافلاس السياسي.
ويقول انهم لايريدون العودة من جديد ولكن في ذات الوقت يتحدث عن عودة حزبه بالمحكمة والقضاء ، وهذا ايضا يكشف ان كرتي وحزبه يعلمون ان لامجال للعودة ، ولكنهم يريدون الانتقام والانتصار لأنفسهم فقط بعد زوال مذل ، وهذا نفسه يؤكد حرب العرقله التي نفاها كرتي فسعيهم وطوافهم من أجل الانتصار معلوم انه نتج عن معركة غير نزيهة مارسوا فيها كل انواع التشفي والانتقام والحقد واساليب التعطيل والإفشال لمسيرة التحول الديمقراطي وعطلوا فيها حركة الاقتصاد فقط من أجل ان يعيدوا لأنفسهم كرامتهم المفقودة.
لهذا فأن حوار كرتي وظهوره كان اشبه بصندوق خشبي مستطيل من طراز جميل وضعت من فوقه كل الورود والزهور ذات الروائح الجميلة ، وسلطت عليه اضواء اجهزة الاعلام واشعلت له الانوار والشموع فقط لأنه يحمل بداخله نعش مهم .