أو هكذا حال السلطات بالخرطوم وهي تُجري تغييراً في إدارات المستشفيات بذات نهج القديم وغير المواكب لما يحدث في النُظم الصحية بالعالم المتحضر.. وعلى سبيل المثال، أصدرت الوزارة الولائية بالخرطوم قراراً بإعفاء استشاري النساء والتوليد د.عبد المنعم بشير يعقوب عن منصب مدير عام مستشفى إبراهيم مالك التعليمي، وتعيين استشاري النساء والتوليد د. كمال محمد أحمد محمد مديرا عاما لذات المستشفى.. وهكذا تم التغيير في مستشفيات أخرى، بحيث ذهب استشاري وحل محله استشاري آخر.
:: لا جديد في هذا المسمى بالتغيير الإداري.. وبغض النظر عن الولاء السياسي – لمن غادروا تلك المناصب أو لمن تربعوا عليها – فإن النهج الذي تم به التغيير الإداري في هذه المستشفيات هو ذات النهج القديم و(المتخلف للغاية).. وليت الدكتور أكرم علي التوم وزير الصحة الاتحادية ينتبه لمخاطر هذا النهج، وينتبه إلى أن أزمة إدارة المشافي في بلادنا ذات جذور، لا يمكن استئصال هذه الجذور إلا بثورة شجاعة.. أكرر، أكبر كوارث المشافي في بلادنا هي (الإدارة).. الإدارة وليس المال أو الطبيب.
:: ويعلم الوزير أكرم أن إدارة المشافي فرع من (علوم الإدارة)، وأصبح علماً يُدرس بالجامعات والمعاهد العليا، بحيث يتخرج خريجها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – عارفاً كيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع (الفريق الطبي).. ولكن هنا في السودان – كما حدث بالأمس – يأتون باستشاري أمراض القلب أو باختصاصي النساء والتوليد ليشغل منصب (مدير عام) و(مدير إداري) و(مساعد المدير العام)، وغيرها من المواقع الإدارية.
:: وبترسيخ هذا النهج المتخلف، تكون أوجاع الناس قد فقدت نطاساً بارعاً في عالم الطب، وذلك بتحويله من طبيب بارع إلى (إداري فاشل).. وعليه، إن كانت مشافينا تعاني من أزمة المال، فإن الأزمة الكبرى هى أزمة (إدارة متخصصة).. فالإدارة المتخصصة هي التي تدير وتوظف المال المتاح لصالح (الطبيب والمريض)، والعجز عن التوظيف الصحيح للمال هو الفشل الإداري الراهن.. وكثيراً ما ناشدنا – من كنا نلقبهم بالمسؤولين – بنقل تجارب الآخرين.. ولكنهم لم ينقلوا من الآخرين إلا ما ينفع ذواتهم، وليس الناس والبلد.
:: والدكتور أكرم يعلم بأن إدارة المشافي بالشركات المتخصصة لم تعد بدعة في عالم اليوم الذي يقدس المؤسسية والتخصص.. ولكن مجرد الاقتراح بهذا النوع من الإدارة قد يعد نوعاً من الجنون في بلادنا.. فالتقوقع في نُظم القرون الوسطى هو الأصل الراسخ في عقولنا، ولم تُحدق هذه العقول في تجارب الآخرين الناجحة.. وعليه، نناشد حكومة الثورة بأن تُدار المشافي بواسطة الذين درسوا وتخصصوا في (علوم الإدارة)، وليست بواسطة الذين درسوا وتخصصوا في (علوم الطب)، كما يحدث حالياً.
:: فالتغيير ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺗﺬﻫﺐ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻭﺗﺄﺗﻲ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﻮ تغيير نُظم الحياة نحو الأفضل.. والأفاضل الذين يديرون المشافي – في طول البلاد وعرضها – لا علاقة لهم بعلوم الإدارة، أي لم يدرسوها ولم يتخصصوا ولم يكتسبوها بالممارسة.. ويجب فصل الإدارة عن الطب في المشافي.. وكل ميُسر لما خُلق له، وقادمات الأيام سوف تكشف لوزير الصحة بأن استشاري النساء والتوليد، ولو نال جائزة نوبل في الطب، فهو غير مُيسر للإدارة.