صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

قياس المحبة.. بالأرقام

21

للعطر افتضاح

د. مزمل ابو القاسم

قياس المحبة.. بالأرقام


* هل يعيد التاريخ نفسه، ليحصر علاقات السودان مع جارته الشقيقة إثيوبيا في حلو الأمنيات، ومعسول الكلام، من دون أن تغادره إلى آفاق تنشيط التجارة، وتعزيز التعاون الاقتصادي، بما يليق بدولتين يقارب عدد سكانهما مائة وخمسين مليون نسمة، وتربطهما حدود تمتد أكثر من سبعمائة كيلومتر، وعلاقاتٍ ثقافية واجتماعية تضرب بجذورها في عمق التاريخ؟.
* الطبيعي أن تتم ترجمة تلك الوشائج القوية إلى مكاسب ومصالح وأرقام، وأن تسهم في تشجيع التجارة، بما يخدم اقتصاد البلدين وشعبيهما، لكن الواقع يؤكد أن حجم التبادل التجاري ظل دون مستوى الطموح، لينحصر في أرقام متواضعة، ومنافذ تعاون شحيحة، لا تتجاوز تصدير كميات محدودة من )البنزين( السوداني إلى إثيوبيا، مقابل مائة ميغاواط من الكهرباء، عبر مشروع الربط الشبكي بين البلدين.
* كما كان متوقعاً فقد تطرق المؤتمر الاقتصادي السوداني الإثيوبي المنعقد في أديس أبابا هذه الأيام إلى تلك القضايا، واستفاض في تشريحها، واجتهد في تشخيص مكامن العلة، وأسباب تراجع معدلات التجارة، ومسوغات تعطيل مشروعاتٍ طموحة ظلت حبيسة الورق، لا تغادر محطات الأحلام.
* قبل ثلاثة أعوام حضرت اجتماعاً مماثلاً، انعقد على المستوى الرسمي، بلقاءٍ للجنة الوزارية الاقتصادية المشتركة العليا، عبر وفدين قاد أولهما نائب الرئيس من الجانب السوداني، وترأس ثانيهما نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، وشارك في الاجتماعات التي امتدت ثلاثة أيام أبرز المسئولين عن الملف الاقتصادي هنا وهناك، بمن فيهم وزراء المالية والتجارة والصناعة والزراعة ومديرا البنك المركزي في السودان وإثيوبيا وغيرهم.
* وقتها سمعنا الحديث نفسه عن مشروعاتٍ كبيرةٍ، تم الاتفاق على تنفيذها على مدى عامين على الأكثر، مثل الربط السككي، وتشييد الطرق البرية، وتدشين المنطقة الحُرَّة، وتخصيص ميناء بورتسودان للصادرات والواردات الإثيوبية، وتنشيط التجارة عموماً بموجب اتفاقية الكوميسا، وافتتاح فروع للبنوك السودانية في إثيوبيا والعكس صحيح، وما إلى ذلك من أحلام كبيرة، ظلت محلك سِر، لا تغادر محطة الأمنيات، لتبقى محصورةً في ملتقيات ومؤتمرات واجتماعات لا تسمن ولا تغني من جوع.
* مرَّ العامان وأعقبهما ثالث، من دون أن نرى جديداً مفيداً على علاقاتنا التجارية مع أقرب دول القارة إلينا، جغرافياً واجتماعياً وثقافياً وحتى وجدانياً.
* يبقى العزاء في أن المبادرة الحالية أتت من المكتوين بنيران الروتين الحكومي، والمتضررين أحابيل السياسة وألاعيبها، لتنطلق من منصة رجال الأعمال، عبر مجلس الأعمال السوداني الإثيوبي المشترك، الساعي إلى استثمار الأجواء الدافئة، والتقدير العميق من شعب السودان للدور الذي لعبته القيادة الإثيوبية في خدمة أهداف الثورة السودانية، بجمع فرقائها إلى كلمةٍ سواء.
* محاولة جادة، ومسعى جريء، يستحق الدعم والإشادة، لأنه يستهدف تحويل الرصيد الكبير الذي طرأ على العلاقات الرسمية في مرحلة ما بعد الثورة السودانية إلى رافعة فعالة، نرجو لها أن تفلح في تحريك جمود العلاقات الاقتصادية، إذ لا فائدة ترجى من علاقاتٍ لا تتم ترجمتها إلى مكاسب دائمة، ومصالح مشتركة، وأرقام ضخمة، تعود بالخير على شعبين ربطتهما أمواج النيل، فسرت معها المحبة عبر السنوات.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد