فيلم قديم فيه البطلة عمياء منذ ولادتها ..لم تبصر النور مطلقا لذلك تقبلت امرها وتكيفت مع ظروفها واستطاعت ان تصل الى درجة جامعية وعمل جيد ..وفوق هذا وذاك هي انسانة متفاعلة في المجتمع .. روحها طيبة وتساهم مع الجمعيات التطوعية في مساعدة الذين يصابون بالعمى نتيجة حوادث او امراض ..التقت بطل الفيلم ..شاب في مقتبل عمره ..اصيب بالعمى نتيجة حادث حركة ..كان غاضبا لدرجة الشراسة في التعامل ..رافضا لكل يد امتدت له بالعون حتى من اهله ..استطاعت صديقتنا ان تخترق الاسوار حوله ..شيئا فشيئا ..صارا اصدقاء ..واستطاع تعلم المشى بعصا العميان …ومن ثم معاودة الدراسة في الجامعة ..ذات يوم وهما في الشارع ..بدات قطرات من المطر تصب ..توقف لحظة وقال لها (اليس الوقت عصرا ؟ذلك يعني ان قوس قزح سيبدأ في الظهور ..كم كنت احب رؤيته )..احتارت وقالت له (ما هو قوس قزح ؟؟)..طفق يشرح لها ان اشعة الشمس تخترق قطرات المطر ..فينكسر الشعاع الأبيض لينقسم الى سبعة ألوان أساسية ..لكنها هزت رأسها بعدم الفهم وسألت مرة اخرى (ما هي الألوان؟ ..ماذا يعني احمر واخضر؟ هل لها ملمس معين ؟ هل لها رائحة ؟؟) ..هنا قال لها (ان هناك اشياء للرؤية ..لاملمس ولا رائحة)..ذلك اليوم فقط احست بالحزن .. كانت سعيدة في دنياها قبل ان تسمع بقوس قزح..اصابتها الحسرة بعد المعرفة ..فقد كان الجهل افضل لها .
عاد الانترنت ..وخرجت الفيديوهات التي وثقت لماسأة الاثنين الأسود ..صور ومشاهد لا يحتملها انسان ..كنت احيانا اغمض عيني عن الرؤية واكبح الدموع التي لم تتوقف ..هذا يحدث لي وانا المشاهدة فما بالك باولئك الذين كانوا تحت التعذيب والتنكيل ؟!..في لحظة قلت لنفسي ..يا ليت الانترنت لم يعد ويا ليتنا كنا على جهلنا !!..لكنني تراجعت واستغفرت ربي ..فالجهل (عمره ما كان نعمة )..المشاهد مؤلمة والصور لا تحتمل ..واصوات الصراخ والاستغاثة تقطع نياط القلب ..رغم كل هذا ..نحسبه شر لنا ولكنه خير ..فلولا هذه التوثيقات ما علمنا ما حدث بكل فظاعته ..وهذه التسريبات زادتنا يقينا بعد يقين ..انه لابد من مواصلة الطرق على قضايا القصاص وارجاع الحقوق كاملة .
اولا ..كل الفيديوهات ..والصور التوثيقية ..لابد من الاحتفاظ بها وعدم محوها ..اي شخص لديه فيديو او صورة توثيقية رجاء لا يستهين بها او يتلفها في لحظة حزن او يأس ..والافضل ان يتم نسخها ..وارسالها في الايميل الشخصي لصاحب الصور كنوع من الحفظ ..المهم انها دلائل مهمة لا يجب ان تذهب هباء او تلعب بها يد عابثة .
ثانيا ..لابد من فتح بلاغات بالضرب والاذى الجسيم ..ضد القوات التي فضت الاعتصام ..ايا كان تسميتها ..الاعتصام كان في قلب الخرطوم ..ولم يكن في جزر الواق الواق او القطب المتجمد ..يعني ان الذين شاركوا في العملية يمكن التعرف عليهم اذا تم عرضهم على الضحايا .. ..حتى اولئك الذين وقفوا (فراجة) مشاركون في الجريمة ..والذين اغلقوا ابواب القيادة دون الثوار اللاجئين لهم ..ايضا لهم ضلع في الجريمة …لا يتردد احد في فتح البلاغ ..كل من تاذى ارجو ان يبدأ اليوم قبل الغد في اتخاذ اول خطوة قانونية ..ومشوار الميل يبدأ بخطوة .
ثانيا ..الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب والتحرش ..اتمنى ان يتحدين الخوف ويحركن بلاغات ايضا ..الموضوع شائك واتفهم موقف اغلب الأسر التي لا تريد الخوض في هذه المسائل .. الامر يحتاج الى حكمة واعتقد ان هناك مجموعة من المحاميات اللاتي اطلقن نداء لهولاء الفتيات لكي يتابعن قضاياهن ..انا متاكدة انهن سيأتين بحقوق هؤلاء الفتيات وسينال الجناة اقسى العقوبات ..فقط المطلوب الخطوة الاولى .
ثالثا ..ملف الشهداء الذين قضوا نحبهم دون الثورة ومطالبها ..واهل هؤلاء لا يحتاجون توصية ..فقد تفوقوا علينا جميعا بصبرهم على الم الفقد ..وخرجوا في التظاهرات حاملين صور اولادهم وكانهم يقولون لهم (نحن مكملين )..ملف الشهداء لابد من متابعته قانونيا والوصول الى الفاعلين الأصليين ..والذين اصدروا الامر بالقتل ..والذين تابعوا عمليات القتل ولم يكلفوا انفسهم جهدا في ايقافها ..اولئك الذين مارسوا القتل بوحشية وتفننوا في التعذيب بسادية غريبة ..وكان بينهم وبين الشباب عداوة ..او ثأر ..
في النهاية اقول ان حزن الفتاة في الفيلم جعلها شخصا آخر غير تلك المرحة التي كانت في بدايته ..كذلك نحن قبل مشاهدة الفيديوهات وصور الاعتصام .. صار الحزن هو الطاغي ..والألم هو السائد ..لكن كل ذلك الى حين.. اخذ الحقوق واعادة الطمانينة والثقة الى الحياة ..عندها فقط يمكننا ان نرفع رؤوسنا الى الأعلى لرؤية قوس قزح.