متى ما إنفجرت ستقضي على أخضر ويابس الفترة الانتقالية وعلى إتفاقية السلام، وستعيد الجميع إلى مربع الحرب الاهلية مرة أخرى، ويتبدد معها حلم (السودان الجديد).
لا توجد منطقة في السودان لم تطالها يد التهميش، ولم يتذوق أهلها طعم الفقر المُر. ولكن تتفاوت نسب تحمَل هؤلاء واولئك، وربما طبيعة بعض المناطق لم تساعد أهلها في حمل السلاح في وجه الحكومات المتعاقبة.
سأتناول في هذه المساحة، (الولاية الشمالية) بالتحديد لخصوصيتها كولاية حدودية من ناحية، ولكونها قبلة للمستثمرين خاصة في مجالات الزراعة والتعدين والسياحة من ناحية أخرى.
ولاية بهذه المواصفات حتما ستكون أحد روافد الإقتصاد السوداني متى ما تم التعامل مع موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية بما تستحق، ويتطلب ذلك احترافية عالية في التعاطي مع هذا الملف ووضع استراتيجية واضحة له مع ضمان تنفيذها بدقة، على ان لا تغفل الاستراتيجية في مهدداتها الجوانب الامنية.
وهو ما أرمي إليه اليوم، فقد أضحت المهددات الأمنية تشكل هاجسا لحكومة الولاية الشمالية التي لا زالت تتعامل مع جحافل (المسلحين) القادمين لمناطق التعدين تحت مسميات حركات مسلحة بحزم وحسم رغم ضيق ذات اليد، فكل يوم تتفاجأ حكومة الولاية بمسلحين يرتدون أزياء قوات نظامية يدعون إنتمائهم لحركة زيد مرة وعبيد مرة أخرى، رغم تحذيرات لجنة أمن الولاية وقرارات السيدة والي الولاية بمنع التعدين الأهلي للقوات النظامية بجميع مسمياتها، ومعاقبة كل من يخالف هذه القرارات بالسجن.
إتفاقية السلام التي وقعت عليها بعض الحركات المسلحة ذات الثقل والوزن، تحتاج ان تقف إلى جانب حكومة الولاية الشمالية وغيرها من الولايات التي بدأت تعاني من ذات الإشكالات الأمنية، فقد أضحت جزءا لا يتجزأ من حكومة الفترة الانتقالية، ومن مصلحتها بسط الامن والإستقرار في جميع الولايات بلا إستثناء.
لن نقول كما يردد البعض أن هذه الحركات المتفلتة والتي لم يعرف لها قيادة حقيقية حتى الآن، تسعى لتغيير التركيبة السكانية للمناطق التي تشكل فيها وجودا بقوة السلاح، فالسودان للسودانيين، وشعار من أجل وطن يسع الجميع، يحتاج لتطبيق عملي يسبقه إحترام إرث وتاريخ وعادات وتقاليد كافة الولايات والمناطق المستهدفة للإستقرار او حتى للسياحة او العمل منعا لتفشي أمراض الجهوية والعنصرية والعصبية القبلية.
نسبة كبيرة من مواطني الولاية الشمالية ظلت تعيش فقراً مدقعاً، ولم تستفد من ميزاتها التفضيلية حتى الآن بالشكل المطلوب نسبة لسياسات الحكومات المركزية المتعاقبة وسيطرتها على ثروات الولاية وترك الفتات لأهلها.
ضبط فوضى اسواق التعدين من قبل حكومة المركز هو المطلب الاساسي الآن ان كان الإستقرار الأمني مطلبها.
حق التعدين مكفول للجميع بلا شك، ولكنه يفترض ان يكون محكوما بضوابط ملزمة لمن يدعون انتمائهم للقوات النظامية بكافة مسمياتها، ومن أراد دخول سوق التعدين، عليه خلع بزته العسكرية وإستبدالها بلباس مدني، ووضع سلاحه أرضاً وخارج المنطقة، ثم عليه الدخول بعدها كمواطن عادي باحث عن لقمة عيشه محميا بالقوات المنوط بها حماية المنطقة، وأعني بها (شرطة التعدين) فقط وليس سواها، مطلوب من الشق العسكري في مجلسي السيادة والوزراء دعم شرطة التعدين بكافة إحتياجاتها اللوجستية والمادية والمعنوية لضمان أسواق تعدين خالية من مظاهر الفوضى، وقبل ذلك ضمانا لعدم تسرب أعضاءها لداخل الاسواق بحثا عن (الوضع المادي المجزي) وترك الأسواق للأجانب وأصحاب الاجندة العابثين بموارد وأمن الدولة، اما ترك الحبل على الغارب فلن يجني ثماره الا الابرياء ممن يجدون أنفسهم في حرب طاحنة دفاعا عن الارض والعرض والمال، وستعود ساقية الحرب الأهلية في الدوران وهذه المرة سيكون اتجاه دورانها شمالا.