* المتابع للإذاعة والتلفزيون يستحيل أن يصدق أن في السودان ثورة، ولو صغيرة جدا، رغم الثورة الشعبية الكاسحة التى لا تزال تشتعل في الشوارع والميادين والبيوت والصدور في كل بقاع السودان، وتثير فخر كل سودانى وتحظى باعجاب كل العالم، وتنقلها وتتحدث عنها معظم اجهزة الاعلام العالمية بمحبة كبيرة، أما تلفزيوننا وإذاعتنا والمحطات الاخرى المسروقة من عرق الجماهير كـ( الشروق وام درمان) فلهم رأى آخر وموقف آخر، انطلاقا من الشخصيات المسيسة التابعة للنظام المخلوع التى تتولى ادارتهم !!
* لا يوجد نقل حى او مسجل لما يحدث في الشارع، ولا لقاءات وبرامج أو حتى أحاديث عابرة عن مساؤى ومخازى النظام المخلوع والثورة التى إقتلعته، ولا حتى أغانى وطنية ثورية من وحى الثورات السابقة، وانما بضع اغنيات حقيبة لا تغنى ولا تسمن من جوع، ولقد بلغت الجرأة بالمسؤولين عن تلفزيون السودان أن يذيعوا بكل الجرأة والوقاحة أناشيد عسكرية كتبت لتمجيد انقلاب (الانقاذ) عند اسيتلائها على السلطة في 30 يونيو 1989 ، أما تلفزيون النيل الأزرق المسروق من مال الشعب فلا يزال مع كريمات التفتيح وإزالة التجعيد .. وعندما يفيق من سكرته الخبيثة المتعمدة يتحايل ببضعة دقايق يكرر فيها قرارات المجلس العسكرى الانتقالى وبضعة اناشيد وطنية من الدرجة الثالثة، وحتى هذه يذيعها بتعال شديد.
* يحدث هذا بينما يتفرج المجلس العسكرى الانتقالى وكأن الأمر لا يعنيه ولا يهمه، بينما كان من أهم الأولويات استبدال قيادات الاجهزة الاعلامية وعلى رأسها الإذاعة والتلفزيون بقيادات تستطيع التعبير عن الشارع السودانى وثورته العظيمة، وتعكس كل ذلك في البرامج والنشرات الاخبارية والاغانى الوطنية ..إلخ، وتبدأ بالتخطيط الجاد لخارطة برامجية تراعى تحديات المرحلة القادمة والعمل من اجل ترسيخ الديمقراطية والحرية وتحرير البلاد من سوءات النظام المخلوع وإعادة بناء السودان من جديد الذى يحتاج لجهود الكافة وعلى رأسهم أجهزة الاعلام التى ظلت تتعمد تغييب العقل السودانى طيلة الثلاثين عاما الماضية ببرامج تافهة وسطحية كفكر الذين يسيطرون عليها، ولكن لحسن حظ الشعب السودانى انتشار ثورة المعلومات والاتصال بشكل واسع في العشر سنوات الاخيرة، فكان لها الفضل في ابتعاد الغالبية الكاسحة من المسخ الاعلامى الرسمى السودانى، والتزود بالمعلومات المفيدة في كافة المجالات، والتلاقح مع الثقافات الأخرى، ومعرفة ما يدور في العالم وتحصين النفس من محاولات التتفيه والتسطيح، فكان ما كان من انطلاق الثورة التى دكت حصون النظام المخلوع، وكنا نتوقع اختيار قيادات جديدة تعكس روح المرحلة وتطلعات الجماهير ولكن ظل الأمر كما كان عليه، وكأن الشعب لم يثر ولم يقدم الارواح والتضحيات من اجل سودان جديد!!
* لا اميل لنظرية المؤامرة التى تتهم المجلس العسكرى بالتآمر على الثورة بحكم إنتماء عدد من أعضائه للنظام المخلوع، وفيهم من حمل السلاح قبل ثلاثين عاما للقضاء على الحكم الديمقراطى والاستيلاء على السلطة لصالح حزب الجبهة الاسلامية، ولكن بصراحة فان ما يحدث على الساحة مزعج جدا، فالمجلس بطئ جدا في حركته، ولا يتخذ قرارا إلا تحت الضغط، ويتعامل مع اجهزة وقيادات النظام المخلوع بتعاطف كبير، ومنها قيادات الاجهزة الاعلامية وفيها من تتوجه إليه أصابع الإتهام بارتكاب مفاسد ضخمة، بل إن المجلس يمتنع حتى لحظة كتابة هذا المقال عن الاعلان عن اسماء المعتقلين وأماكن وجودهم وعلى رأسهم الرئيس المخلوع، وكأنه يرواغ إنتظارا لحدث ما، أو يكذب في قول الحقيقة بشأن إعتقالهم ــ أو هكذا يبدو في نظر الشعب ــ وهى الخطوة الأولى لفقدان الثقة بينه وبين الجماهير، الذى كان احد اهم اسبابه بين الجماهير والنظام المخلوع الأكاذيب المستمرة التى كان يدلقها في آذانه كل يوم، فهل يريد المجلس العسكرى ان يبدو في نظر الشعب كاذبا ومرواغا، ومتفقا مع رأى قيادات الأجهزة الاعلامية وغيرها التى تنتمى للنظام المخلوع في ثورة الشعب، وتوجيه السباب للجماهير)، فيفقد ثقتهم كليةً ؟!
* الوضع لا يحتمل المرواغات والمساومات التى إعتدنا عليها من النظام المخلوع، والبلد في حاجة ماسة الى الاستقرار ومخاطبة المشاكل المستعصية التى ورثها من النظام المخلوع، والتغيير لا يحتاج الى إذن أو ضغط من أحد وإنما الى رغبة صادقة في التغيير والانطلاق نحو الامام، إذا كنتم صادقين وجادين، وإلا سيكون مصيركم الخلع والاقتلاع ، كما كان مصير من سبقكم، بل إن خلعكم سيكون اكثر سهولة بسبب الروح الثورية الكاسحة، ورفض المجتمع الدولى لسيطرتكم على السلطة، وأحد مظاهره القرار الذى اتخذه الاتحاد الافريقى امس بإمهالكم فترة 15 يوما لتسليم السلطة للمدنيين وإلا سيفرض عقوبات صارمة على السودان ستكون عواقبها وخيمة، فهل تريدون أن يبدا عهدكم بالعقوبات والمطاردة الدولية، ونبذ الشعب لكم؟!