مناظير
زهير السراج
قانون شرب الخمر !
* لا شك ان المنظومة القانونية الجديدة التي أفصح عنها وزير العدل، أمر مطلوب للسير في طريق التحول الديمقراطي وتحقيق حرية وكرامة الانسان السوداني، خاصة المرأة التي ظلت تعاني صنوفا من الاضطهاد والحرمان من أبسط الحقوق خلال الثلاثين عاما الماضية مثل القانون الذي يحرم الأُم من اصطحاب أطفالها في السفر الى الخارج إلا بموافقة الاب، وإذا اعترض فلن يكون أمامها سوى خيارين، إما السفر بدونهم ومكابدة آلام الفراق، أو الحرمان من المصلحة التي اقتضت السفر سواء العمل أو العلاج أو زيارة الاهل ..إلخ!
* أذكر إنني كتبت عن حالات كثيرة من هذا النوع كانت إحدى ضحاياها طليقة قاضي عاشت سنوات طويلة في الأسر، وعندما تحررت منه بالطلاق بعد معاناة فظيعة، ووجدت فرصة للعمل والالتحاق بأسرتها في إحدى بلاد الاغتراب، منعها من اصطحاب أبنائها فاضطرت للبقاء في السودان، والحرمان من العمل والأسرة، وغيرها من القصص المؤلمة، وحسنا فعل وزير العدل بإلغاء هذا القانون الجائر ونأمل أن يكون القانون الجديد منصفا للطرفين!
* كما ظلت المرأة، وهو ما يعرفه الجميع، تتعرض طيلة الثلاثين عاما الماضية للملاحقة والمطاردة والحبس والجلد والمساومة والابتزاز بسبب المادة (152 ) في القانون الجنائي العام لعام 1990(الزى الفاضح)، التي استغلتها السلطة وشرطة النظام العام المكلفة بتطبيقها أسوأ استغلال، لاضطهاد المجتمع والاسرة والمرأة والاعتداء على حقوقها والحط من كرامتها، وفي كثير من الأحيان مساومتها على عرضها وشرفها، إذ كن كثيرات يخشين من الفضيحة بتحريف التهمة التي قبضن بسببها، فيخضعن للابتزاز من الوحوش والمجرمين، وكان لا بد من إزالة هذه المادة الفاسدة من القانون، وحماية حقوق وحرية المرأة وكرامتها، وهنا لا بد من الاشادة بوزير العدل الشاب الدكتور (نصر الدين عبد الباري) والطريقة الهادئة والحصيفة التي ظل يتقيد بها في أداء مهامه بعيداً عن العنتريات والهتافات واستثارة العواطف!
* ولكن بصراحة، فان القانون الذي يعاقب المسلم على شرب الخمر ويسمح للمسيحي ( او غير المسلم) بذلك، ستكون له آثار سلبية وخيمة على حرية وحقوق الإنسان في السودان، وانتهاك خصوصيته بالسؤال عن ديانته لمعرفة نوع الدين الذي ينتمي إليه لاتخاذ القرار بشأنه عند القبض عليه متلبسا بشرب الخمر أو إذا اشتمت فيه رائحة الخمر بواسطة الجهات المكلفة بتنفيذ القانون، وقد يستدعي الأمر السؤال عن الوثائق التي تدل على الديانة، وقد يجر ذلك الى شجار ومشاكل ومساومات وابتزاز، وهي اشياء متوقعة ما دام القانون يتيح للجهة التي تطبقه معرفة ديانة الشارب لتطبيق القانون عليه!
* كما ان التمييز بين المسلم وغير المسلم قد يقود لمشاكل اخرى مثل إنكار الديانة، والدخول في مشاجرات ومشاكل اخرى، فضلا عن الابتزاز والمساومات غير الاخلاقية التي يمكن ان يتعرض لها الشخص، او المعاملة غير المنصفة التي يمكن أن يجدها إذا اختلفت ديانته عن السائل، وهو أمر غير مستبعد على الاطلاق في المناطق ذات الحساسية في هذا الخصوص، بالإضافة الى ان السؤال عن الديانة في حد ذاته سواء بالنسبة للمسلم او غير المسلم، فيه انتهاك للخصوصية بغض النظر عن شرب الخمر من غيره!
* لقد أزالت الدولة في وقت سابق التعريف بالهوية الدينية من معظم المستندات الرسمية، لما فيه من انتهاك لحقوق الانسان والمواثيق الدولية والقوانين التي تمنع التمييز بين الناس بسبب الدين أو الجنس أو العرق ..إلخ، فكيف نعيده مرة أخرى ونحن نستشرف عهدا جديدا تكون فيه المواطنة أساس الحقوق والوجبات، ونحث الخطى للسير في طريق التحول الديمقراطي ومجتمع العدالة والمساواة؟!
* إن وجود قانون يميز بين المواطنين على أساس الدين، لن يجر سوى المشاكل والتناحر، ويحفز ضعاف النفوس على استغلال الناس على أساس الدين الذى يدينون به .. إما قانون يبيح كل شيء للجميع، أو يمنع الجميع !
الجريدة