يسألونك عن التسويةِ السياسية، فقُل لهم هي مُفتاح لبابٍ يدخُل به الناس إلى فضاءاتٍ رحبة للتسامُح فيها مُتسع للجميع، مُفتاح للأسف ضيعته حماقات الساسة في السودان تحت رُكام صراعاتهم، والعثور عليه يحتاج إلى أدوات ومُعينات، لا يمتلكها البُرهان والمجموعات التي تُشاركه السُلطة اليوم.
ولسنا في حاجة لتسوية منقوصة يتهافت عليها عُشاق ومرضى السلطة، فما حدث في سنوات الحُكم الماضية يحتاج إلى جراحاتٍ عميقة، وخلايا الكراهية والغُبن والأنانية انتشرت في كل جسد السودان، وتحتاج إلى نطاسٍ بارع يعمل مشرطه بمهارة لاستئصال هذه الخلايا السرطانية المُدمِرة التي أقعدت بلادنا وجعلتها فريسة لكُل طامع، ومثل هذه الجراحات من المُستحيل أن يُجريها من قادتهم الصُدفة إلى مقاعد السُلطة، وسيُعارِضها من لا أمل لهُم في الوصول إليها عبر الانتخابات ذات المفاتيح (الضائعة) هي الأخرى مع مُفتاح باب التسوية.
من السهل أن تحشُد أنت وشركاء السُلطة يا سعادة الفريق عشرات الكيانات السياسية الضعيفة الخفيفة في وزنها، والتي تبحث عن من تستقوي به للوصول للسُلطة، وستجد من يجمع لك مئات الشظايا القبلية ممن يبحثون عن أمجادٍ سلبتها منهم بيوت الزعامات القبلية التاريخية الكُبرى، وما أكثر الذين يبحثون في زمان الفوضى والاضطراب عن موطء قدم في مناصب اختلت معاييرها، وما عادت المؤهلات الأكاديمية والخبرات العملية هي المعيار، ولن يُمانع غداً (المُسهِّل) فولكر في التوقيع على أي اتفاق قد يتم بهذه الطريقة، وسيفرح الانتهازي ود لبات كثيراً بهذا الانجاز الذي يُعينه على كتابة كتاب آخر عن الفوضى السياسية في السودان لتمجيد ذاته.
فهل بمثل هؤلاء تتم التسوية..؟
لا وألف لا يا سعادتك الغوص في مُشكلات السودان العميقة لن يتأتى هكذا، واقناع الشعب السوداني بمثل هذه التسوية وقبل الاعلان عنها رسمياً يحتاج منكم إلى خطواتٍ محسوسة جادة على الأرض، فالكلام وحده لا يكفي، وما بينكم والمواطن فجوات عميقة عمقتموها بما فعلتموه به، وتجسيرها يحتاج إلى خطواتٍ عملية، على الأقل تبدأ بوقف قتل الأبرياء، والافصاح عن من فضّ الاعتصام بتلك الطريقة البشعة، وتقديمه إلى مُحاكمات فورية علنية، مع تسخير الأجهزة الأمنية لحسم التفلتات الأمنية حسماً نهائيا، بدلاً من تسخيرها في التصدي للتظاهرات والتي لن تتوقف ما دُمتُم كذلك، رُبما يخرُج المواطِن بعدها من بيته ويعود إليه آمناً مُطمئناً ليُشارِك في تسويتُكُم المزعومة.
والحُلم بالتسوية بلا مُحاسبة (للجُناة) لن يتحقّق مهما حشدتُم له من حُشود، وانقاذ الوطن من مُستنقع الصراعات النتن، يحتاج حقاً لمن (يظنون) في أنفسهم ظناً لا تُدانيه الشُكوك بأنّ الوطن أكبر منهم ومن الجميع، ومن يُدرِكون بأنّ الحلول لن تأتِ بالشخصنة والعنتريات، ولا بفرض أجندة الدول الطامعة فينا، وليعلم الجميع بأنّ السودان ملك خالص لأهله.