صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

في سيرة الفلس

202

بشفافية

حيدر المكاشفي
في سيرة الفلس

حاجتي الملحة لبعض المال هي التي أوقعتني تحت طائلة المثل الذي يقول (صاحب الحاجة أرعن)، فعلى الرغم من علمي بأن زميلنا وصديقنا (سين) خارج لتوّه من مناسبة عائلية كان هو المشرف العام عليها من (قولة تيت وقولة خير) وإلى (العروس للعريس والجري للمتاعيس)، وهذا وضع لابد أنه كلّفه الكثير وجعله (على الحديدة أباطو والنجم)، على الرغم من ذلك إلا أنني قصدته كالعادة أطلب منه سلفية أستعين بها على قضاء حاجتي العاجلة والملحة والتي من شدة إلحاحها عليَّ ومن عوزي لدائنين آخرين غيره، لم أجد أمامي مخرجاً غير إرتياد المستحيل عسى ولعل أن يكون ممكناً، ولكن هيهات، إذ جاء رد الرجل بكل التهذيب الذي عُرف به بأنه هو نفسه يحتاج لعشرة آلاف جنيه بأعجل ما تيسر، استعوضت الله في سلفيتي التي قمعها رده المفحم ، فرأيت أن أشاركه المصاب وأعينه ولو بحلول كلامية غير مبرئة للذمة مثل ورق البنكنوت من باب الاعتراف بديونه السابقة ليس عليّ وحدي بل على كثيرين ، قلت له لا تشكو لمن لا تجد البُرءَ عنده، فإما أن تبيع عربتك أو أن تستعين بصديق، وذكرت له فلان وفلان وفلان ممن له بهم صلة ما أو صداقة من ذوي البسطة في المال، وضحكنا وافترقنا..
السودانيون يطلقون على الفلس بمعنى فقر الموارد وقلة المال وسوء الحال (عطية)، وفي رواية أخرى (عكبو)، وعلى من يضربه الفلس (مقشط) أو أنه لا يملك أبو النوم، وأبو النوم هذه لها تعريفات عدة منها أنه اسم لاحدى أنواع نبتة الخشخاش وتحتوي على مركبات إفيونية مخدرة، ومنها أيضاً أنه اسم لقرية مصرية منسية تقع بين محافظتي الاسكندرية والبحيرة، أما عند السودانيين فتعني ما يتبقى في قاع جيب الجلابية أو القميص من ذرات تعلق به وهي كناية عن نظافة هذه الجيوب، ليس من المال وحده بل حتى من أي شيء ذي قيمة، أما عن حالة الفلس نفسها فيصفونها بأنها (شلش)، وأما الفلس ذاته سيد الاسم وبما له من مهابة وسطوة تذل أعناق الرجال وتجعلها أصغر من سمسمة يقولون عنه أنه راجلاً كلس، ولهم معه وفيه قصص وحكاوي وأشعار، ومن أشعارهم فيه قول أحد الشعراء الشعبيين:
يا صحبي الفقر عم وكشح تيرابو
والقلب الندي إتشالبنو ديابو
نبحن وهوهون علىَّ كلابو
خمن وصرصرن سهماً غرز نشابو
وقال آخر:
الدنيا بتهينك والزمان بيوريك
قِلْ المال يفرقك من بنات واديك
الزول الفسل ما تسويهو ليك دخريك
وقعاد الوحدة أخير من لمة المابيك
و..الحالة صعبة والعيشة مرة كما غنت احدى مغنيات الدلوكة..
الجريدة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد