زار السودان أمس السيد “هايكو ماس” وزير خارجية ألمانيا.. خلع زيه الرسمي وارتدى ملابس خفيفة وتجول راجلا في واحدة من أعز ساحات الثورة السودانية.. ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة.. الرسالة هنا واضحة كالشمس لمن يهمه الأمر، فكأني به يقول ( هل يستحق مثل هذا البلد الآمن أن يكون في قائمة الارهاب؟).
انتبهوا جيدا لتوقيت الزيارة، فهي تأتي حتى قبل أن ننجح في تشكيل أول حكومة بعد الثورة، ليس لدينا “وزير خارجية” ومع ذلك وصل هذا المسؤول رفيع المقام من الدولة رفيعة المقام.. هي رسالة قوية للسودانيين جميعا أن الفرصة المتاحة الآن لن تتكرر.. وأن بيدنا نحن أن نستثمرها أو نهدرها.. أقرؤوا معي بعض سطور الرسالة التي حملها وزير الخارجية من المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، تقول :
(شجاعة السودانيين للدفاع عن حقوقهم ورؤيتهم للوصول للديمقراطية كانت محط إعجاب الجميع، وكذلك التصدى للقمع والعنف..ألمانيا ستكون إلى جانب السودان كشريك موثوق عندما يتعلق الأمر بالسلام والتنمية والأمن الداخلي).
إذا أطربتنا هذه الكلمات واعتبرناها زيارة والسلام فستكون هذه السيرة الذاتية نفسها للفشل الذي لازمنا منذ الاستقلال حتى الآن.. الرسالة تؤكد (ستكون ألمانيا إلى جانب السودان كشريك موثوق..) ونحن في حاجة لألمانيا في :
أولا: أن تدعم رفع اسم السودان من لائحة الارهاب عاجلا.. هنا مربط الفرس الذي يحل عقدة لساننا الدولية، فطالما اسم السودان في هذه القائمة السوداء فلن يخرج اقتصادنا من النفق المظلم ولن ننجح في تطبيع علاقتنا مع الدول والمؤسسات خاصة الاقتصادية. ودولة بثقل ألمانيا (التي تجوّل وزير خارجيتها في عاصمتنا بمنتهى الأريحية وغالبا حكى له السفراء الأجانب كيف أنهم كانوا يزورون ساحة الاعتصام بلا حراسة ولا خوف) تستطيع أن تقنع متخذي القرار في أمريكا.
ثانيا: ألمانيا واحدة من أكثر دول العالم تطورا في قطاع الطاقة، خاصة المتجددة (وبالتحديد الطاقة الشمسية) ولا يمكن للسودان أن يتطلع إلى استقرار اقتصادي وجذب للاستثمار الدولي بالوضع المزري للطاقة في بلادنا، رغم أننا واحد من أكثر بلاد الدنيا قدرة على الاستفادة من الطاقة الشمسية بحكم موقعنا الجغرافي. نريد برناجا اسعافيا عاجلا لسد العجز الحالي في التوليد ، مع خطة متوسطة وطويلة المدى للتوسع في الطاقة الشمسية بشراكة ألمانية.
ولكن؛ قبل هذا كله، وبمجرد تعيين وزير خارجيتنا الجديد نحن في حاجة ماسة لبناء مؤسسات (السياسات الخارجية).. انتهى عهد العلاقات الخارجية التي تدار بالمزاج أو محاسن الصدف..