صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

في بيتنا شهيد

11

خارج الأسوار

سهير عبد الرحيم

في بيتنا شهيد

 

 

رسالة نصية تلقيتها على هاتفي لم تتجاوز أربع كلمات (أخوي الصغير استشهد ياسهير) تلك كانت كلمات الأخ والزميل والإعلامي والناشط في مجال العمل الطوعي يوسف الفاضل ، نعم لقد استشهد شقيقه علي الفاضل (٢٩) عاماً في مجزرة ساحة القيادة العامة . لم أفق من هول الصدمة إلا حين وقفت أمام منزلهم العتيق الكائن بحي الخرطوم (٣)، قابلني يوسف وهو لا يقوى على الوقوف أو الحديث تمالك نفسه قليلاً وأدخلني الى حيث يرقد والده ، عم الفاضل … يا الـله ….يالها من لحظات غريبة أن تقف أمام أب لتقول له الفاتحة على روح ابنه ، رأيته هناك عم الفاضل رجل سوداني أصيل يرتدي العراقي ويتجاوز عمره السبعين عاماً يرقد طريح الفراش يتوسد آلامه ، ويلتحف حزنه ، يغطي جسده بغطاء لا هو بطانية تدفئه ولا هو ملاءة تشعره ببرودة الغرفة . الرجل لا يعبأ بشيء ولا يهتم بدرجة حرارة الغرفة المنخفضة ، هو ينظر في اتجاه واحد فقط لا يحيل بصره عنه لحظة… تلك كانت صورة ابنه الشهيد (علي ) تزين الجانب الآخر من الحائط . حاول يوسف أن يخبر أباه أن هذه أستاذة سهير التي تحبها يا أبي وتعشق كتاباتها ، ولكن عم الفاضل اكتفى بإيماءة من رأسه لا يهمه شيء البتة، فقط صورة (علي) على الحائط . استدرت للصورة وجدت علي يبتسم فيها ابتسامة عريضة ، يتكئ على ما يشبه السور ، يضج شباباً وقوة وحيوية ولا يخلو من وسامة بادية للعيان . التفت لعم الفاضل وقلت له ربنا يرحمه ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، رد عم الفاضل بآهة عميقة كانت كافية لإحراق الغرفة وقال (الحمد لله ) ، ترقرقت الدموع في عينيه فسحب نظارته الطبية بيد مرتعشة ومسح تلك الدموع بكفه قبل ان تتجاوزه الدموع عنوة و تطفر الى وسادته الخالية . تمنيت لحظتها ان تنشق الأرض وتبتلعني ، ماهي العبارات المناسبة التي يجب أن أقولها لعم الفاضل لأخفف عنه لا أدري حقيقة ماذا أقول ؟ ولا ادري ما طبيعة تلك القلوب التي تقتل بدم بارد دون ان يرجف لها طرف ، أي قوم هؤلاء الذين جعلوا العيد ميتماً في بيت عم الفاضل .؟ أي قوم هؤلاء الذين لم يتركوا لخبيز العيد ان يفتل ، ولحلواه أن تغادر تغليفتها ولزجاجات العصير ان تعبأ ، اي قوم هؤلاء الذين أحاطوا صور علي في منزله بشريط الحداد الأسود وتركوا جلابية العيد في دولابه دون عطر وهاتفه دون شحن وسيارته دون ان يدار محركها . أي قوم هؤلاء الذين قرروا أن هذه نهاية حياته وأن شهادته الجامعية من كلية التقانة لا تعدو أن تكون مجرد ذكرى على الحائط، وان غرفته ومخدعه مغلق حتى إشعار آخر . أصعب اللحظات في منزل عم الفاضل سؤال أحفاده الصغار وين خالو علي ..؟؟ خارج السور : غداً أقص عليكم كيف استشهد علي وهو يدافع عن حلم اسمه مدنية .

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد