“الأمة هوية، والهوية ثقافة، والثقافة دين ولسان ووجدان”.. أحمد بن نعمان..!
في أيام الطفولة كانت تطرق أذني في نشرات الأخبار جمل هلامية على غرار “نددت الدولة الفلانية بكذا” .. “شجبت الدولة العلانية كذا” .. “أعربت فلانة ـ الدولة ـ عن قلقها البالغ من كذا أو كذا ” .. إلخ .. وكنت أتساءل عن الجدوى من إعراب الدول عن قلقها الساكت أو البالغ طالما أن الأمر لن يتعدى الإعراب عن الشعور إلى الشروع في إتيان الفعل، ثم علمتني المواقف والتجارب والمشاهدات والقراءات، أن مشاعر الشخصية الدولية لها ردود أفعال خاصة ومواقف خاصة تتناسب وحجمها السياسي ومكانتها الاعتبارية..!
وأن الإشارة أو الإيماءة التي تؤخذ بعفوية في عالم الأفراد لها أبعادها ودلالاتها الخطيرة في عالم الدول، وأن تأثر مزاج الدولة انزعاجاً أو قلقاً له تأثيره الفوري والحاسم الذي يتراوح بين درجات سياسية كثيرة تبدأ من الخضوع بالقول ولا تنتهي عند إعلان الحرب ..!
ثم أن التمثيل الشخصي بيِّن والتمثيل الدولي بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، ومن تلك المشتبهات ذلك التداخل المُربِك بين ردود الأفعال الفردية والدولية في بعض المنعطفات السياسية والمواقف الشخصية. مثلاً!، الانطباعات السيئة ..الوساوس .. الشعور بالخطر .. الغرور .. الدلال .. حتى “الدلع” هو أيضاً شعور دولي يتمدد في علاقة عاطفية بين دولتين إحداهما تتثاقل وتشترط، والأخرى تنكب وتدلق وهي تبتهل إلى الله أن لا تموع زبيدة..!
ومن تلك المشتبهات ذلك التداخل بين مواقف الأفراد و الدول من الوسامة أو القبح، فالأفراد لهم مقاييس للجمال والقبح، وكذلك الدول أيضاً لها معايير للوسامة الدولية أو القبح الدولي. ستقول إنني أبالغ، وحينها سأقول لك قارن مثلاً بين بعض الدول الجارة والصديقة والسودان ..!
بعض الدول في تمثيلها السياسي حسناء بارعة الحسن والجمال والدلال . كل العرب يخطبون ودها، والسودان نصيبه من الحسن والوسامة الدولية كنصيب أبي دلامة، بالعمامة غير جذاب، وبدونها أضل سبيلاً .. وهكذا ..!
ومن تلك المتشتبهات التقاء الحسن الشخصي بالحسن السياسي عند قولة المتنبي “حسن الحضارة مجلوب بتطرية .. وفي البداوة حسن غير مجلوب”. فإذا كان حسن البداوة عند الأفراد هو جمال خلق الله، وحسن الحضارة عندهم هو التطرية التي تبدأ بالكريمات وتنتهي بعمليات التجميل وشفط الدهون، فإن حسن البداوة في عرف الدول هو عوامل الجذب العرقية والثقافية، بينما حسن الحضارة عندها مجلوب بالتطرية السياسية التي تبدأ بحسن المواقف الحكومية، مروراً بالجاذبية الشعبية، وليس انتهاءً بالإشراقات البروتوكولية. طيب، ماذا يفعل شقي الحال أبو دلامة كي يحظى ببعض الوسامة..؟!
لحسن الحظ نحن في عصر ثورة العقاقير السياسية وجراحات التجميل الدولية التي يحتاجها الحضور السوداني في المحافل الخارجية والكيانات المهنية الدولية، والذي كان – قبل الثورة – مهدداً بصورة ذهنية سالبة ضاعفت مقدار الفرص المهدرة. تمثيلنا المهني في المحافل الدولية يحتاج عمليات استئصال وزراعة أعضاء عاجلة قبل الخضوع لجراحات التجميل. لقد آن لأبي دلامة – بعد نجاح ثورة شعبه المجيدة – أن يتعلم كيف يحظى ببعض الوسامة ..!