*الفترة المقبلة مخصصة لتعظيم مبدأ الشفافية، ومضاعفة الاهتمام بقيم النزاهة في كل ما يتعلق بإدارة العمل العام، إذ لا فائدة ولا قيمة ولا نجاح لأي عمل عام أو خاص يخلو من النزاهة، وتسوده الضبابية، وتحيط به شبهات اختلاط العام بالخاص.
*قبل يومين أعلن ريناهارد جرندل، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، استقالته من منصبه، بعد إقراره بتلقي هدية شخصية، عبارة عن ساعة قيمتها ستة آلاف يورو، حصل عليها من رجل الأعمال الأوكراني ومسؤول كرة القدم جريجوري سوركيس، وقال جرندل في بيان مقتضب لوسائل الإعلام “كل من يعرفني يدرك أنني لست جشعاً، ثمن الساعة ستة آلاف يورو، ولم أكن أعرف طراز الساعة أو قيمتها وقتها”.
*لم يكتفِ جرندل بالاعتراف والاستقالة، بل ألحقهما باعتذار معلن عن سلوكٍ اعتبره غير مبرر، قال فيه: “لا توجد مصالح تجارية للسيد سوركيس مرتبطة بالاتحاد الألماني، ولم يطلب مني أبداً قبل أو بعد هذا الأمر أي نوع من الدعم، قبلت الهدية من باب التهذيب، وبالنسبة لي لم يكن هناك أي تعارض في المصالح، لا يمكنني تفسير لماذا لم أتخذ إجراءً إزاء توضيح الموقف سريعاً، أنا مندهش من الخطأ الذي ارتكبته”.
*أليست تلك أخلاق الإسلام حقاً، حتى ولو صدرت ممن لا يدين به؟
*ألا يذكرنا موقف السيد جرندل موقف الإمام محمد عبده، عندما ذهب لمؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس، في العام 1881 ثم عاد إلى مصر، وقال قولته الشهيرة: “ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، وعدت إلى الشرق فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً”؟
*ألا يذكرنا بحديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، عندما استعمل رجلاً على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية فلما جاء حاسبه، قال هذا مالكم وهذا هدية، فقال له المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (هلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً)؟
*بتلك القيم، طفر الغرب وتطور، وبسبب إهمالنا لها تدهورنا، وتخلفنا ووصلنا الدرك الأسفل من الفقر والبؤس والتخلف، وعجزنا عن مواكبة الأمم المتحضرة.
*استقال رئيس الاتحاد الألماني بسبب ساعة يد، وفي بلادنا احتفظ نظيره بعربة سوناتا، مملوكة لاتحاده لمدة عشر سنوات متتالية، بل خصصها لأسرته، برغم ابتعاده عن المنصب طيلة الفترة المذكورة، وتولى سداد تكاليف صيانة وترخيص وتأمين تلك العربة طيلة السنوات المذكورة، ومع ذلك يطيب لمن أتى ذلك الفعل الكريه، ولحوارييه أن يتشدقوا بالحديث عن النزاهة والطهارة والتعفف عن مس المال العام.
*في اتحاد الكرة استولى أحد الموظفين على عشرة آلاف دولار، كانت مخصصة لمدرب المنتخب (كرواتي الجنسية)، فتم قيدها كعهدة عليه، قبل تحويلها إلى عهدة رئيس الاتحاد لاحقاً، لتبقى معلقة أكثر من ستة أشهر، وتمت تسويتها مؤخراً، من دون أن يصحبها أي توضيح أو اعتذار.
*خصص الاتحاد عربةً أخرى لأحد موظفيه، فحولها بدوره إلى والدته، كي تقودها عدة شهور، برغم ابتعاده عن عمله برحلة خارجية امتدت طيلة الفترة المذكورة، ولم تتم محاسبته، بل تولى رئيس الاتحاد تحفيزه بالدولار لاحقاً، بعد أن كذب على الفيفا في تقارير رسمية، ادعى فيها زوراً أن الاتحاد السوداني يمتلك دورياً لكرة السيدات به صعود وهبوط، ورابطة للأندية المحترفة، تنظم مسابقة الدوري، وتمنح الأندية التراخيص.
*مظاهر الفساد التي سيطرت على الاتحاد المذكور وصلت حد اتهام مدير مكتب رئيس الاتحاد بالتلاعب في أسعار تذاكر رحلات المنتخب الأول.
*تم إيقاف الموظف عن عمله، وتكوين لجنتين للتحقيق معه، وانتهى عمل اللجنتين إلى صفرٍ كبير، وواصل الموظف عمله في الاتحاد كالمعتاد، كما تردد حديث طويل عن مبلغ آخر تم دفعه لشركة مقاولات، تم تكليفها ببناء سور لقطعة أرض مملوكة للاتحاد، لم يُنفَّذ لشهورٍ طويلة، ولم يتم استرداد المبلغ الخاص بالسور حتى اللحظة.
*في الاتحاد ذاته تم إبرام عقد لترحيل فرق الدوري الممتاز بلا مناقصة، وعندما سُئل رئيس الاتحاد في حوار تلفزيوني عن مسببات تجاوز الإجراءات المتبعة في إبرام التعاقدات العامة ثار وهاج وماج، ورد على مقدم البرنامج قائلاً بِحدَّة: (يعني نحن حرامية)؟
*شتان بين موقفي الألماني جرندل، رئيس الاتحاد الألماني والدكتور كمال شداد، رئيس الاتحاد السوداني، الذي وظف لنفسه مستشاراً قانونياً، ومديراً للمكتب، ومسؤولاً عن المراسم، وسائقاً خاصاً، مع أنه يمتلك خمسة نواب في المجلس، فهل نستغرب بعد ذلك لفارق المستوى والتعامل بين الاتحادين؟
*وهل نستغرب تدهور الكرة السودانية، التي احتل منتخبها المركز الطيش في مجموعته بتصفيات الأمم الإفريقية، وتدهور في تصنيف الفيفا للمنتخبات، ليحتل المركز (130)، بفضل فشل اتحاد شداد.. الموبوء بالتجاوزات؟