أكثر من ثلاثة أشهر مضت منذ الإطاحة بنظام المخلوع البشير ولا تزال الولادة المتعثرة للإعلان السياسي بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري في غرفة العمليات.
لا أضجر من التكرار؛ لماذا لا نفصل السياسة عن إدارة الدولة ونترك للطرفين الوصول إلى اتفاق (على أقل من مهلهم) طالما أن الدولة تمضي في طريقها ومصالح المواطن العادي لا تنتظر أحداً..
الفكرة بسيطة أعيد تكرارها.. في كل الأحوال حتى ولو اتفق الطرفان اليوم، فإن الحاجة ماسة في “سودان بكرة”.. سودان المستقبل لفصل مقادير الوطن عن مقادير السياسة.. أن لا ينتظر الوطن تشكيل حكومة مهما خلصت.. ولا ينتظر مجلس سيادة ولا وزراء ولا يحزنون..
مثلاً؛ إذا كانت التنمية في البلاد تتطلب تشييد خط للسكك الحديدية يربط مدينة “الجنينة” في أقصى حدودنا الغربية مع الميناء “بورتسودان” في أقصى الشرق.. لماذا ينتظر مشروع مثل هذا توقيع اتفاق تقاسم سلطة أو تراضٍ سياسي أو حتى تعيين مجلس وزراء أو مجلس سيادة.. ما علاقة مثل هذا المشروع بالحكومة قامت أم سقطت؟
هذا ما نطلق عليه (هيكلة السودان).. بناء دولة حديثة لا تربط مستقبلها بمستقبل ساستها.. دولة تجعل ما للإدارة للإدارة، وما للسياسة للسياسة.. ولا يتعاركان..
لماذا تنتظر شركة الخطوط الجوية السودانية “سوادنير” تعيين وزير النقل حتى تتمكن من تصحيح أوضاعها والنظر إلى مستقبلها والبحث عن تمويل أو شراكات أو غيرها..
إن كان في إمكاننا تشييد أكبر محطة إنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية، ولدينا ما يكفي من الخبراء ونستطيع أن نستعين بالدولة المتقدمة في هذا المضمار مثل ألمانيا، لماذا ننتظر الوسيط الأفريقي حتى يكمل الولادة القيصرية ويضع المولود في الحاضنة الصناعية إلى أن تتحسن صحته.. لماذا؟
نظامنا التعليمي، من أدنى مدرسة الأساس إلى أقصى الدراسات العليا في حاجة ماسة للإصلاح والاستفادة من خبرات الدول الصديقة، مثل بريطانيا، لماذا ننتظر نهاية نشيد (أصبح الصبح)؟
الفكرة سهلة للغاية، نعيد هيكلة الدولة بحيث نحيِّد مجلس الوزراء عن الخطط والمشروعات الاستراتيجية.. يصبح الوزير مجرد ممثل للوزارة في اجتماع مجلس الوزراء لا يملك حق التوقيع بقلمه على أي قرار، لا يحرك جنيهاً واحداً ولا يبتدر أو يلغي مشروعاً ولا يقرر مصير الخبراء والفنيين في وزارته.
عندما يصبح الوزير مجرد (موظف) لا دخل لعبقريته في تقرير مصالح المواطن فلن يتقاتل الساسة في سبيل الحقائب الوزارية، ولن يقف موظف الاستقبال تحية للوزير عند دخوله بوابة الوزارة بل سيجد الوزير نفسه في حاجة للفخر بالتقاط “سلفي” مع أحد الخبراء في الوزارة..
بصراحة أما دولة حديثة، أو سيكون لنا من كل شهور السنة ثورة، فحتى الآن أنجزنا أكتوبر وأبريل وديسمبر وتبقى لنا تسعة أشهر لنحتفل بثوراتها..
ومع ذلك سيبقى الحال على ما هو عليه..!!